٠بسم الله الرحمن الرحيم
الحج والعمرة والزيارة
حكم، فضائل، وصايا، نصائح، فوائد، آداب، منافع، توجيهات، مناسك، أحكام، تنبيهات، فتاوى
جمع واختيار
الدكتور عبد الله بن محمد البصيري
" مقدمة"
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فإنه لما كان الحج أحد أركان الإسلام وتأديته على الوجه الصحيح واجب على كل مسلم ومسلمة ولما كان للحج الكثير من الأحكام التي يجهلها الكثير من الناس فقد رأيت أن أؤلف كتابًا أجمع فيه كل ما يتعلق بالحج والعمرة والزيارة من الأحكام والفضائل والمناسك وكل ما يحتاجه الحاج، وقبل أن أبدأ بالتأليف جمعت الكثير من الكتب والرسائل والفتاوى والتنبيهات والتوجيهات التي كتبت عن الحج، وهي كثيرة، ونظرت فيها فإذا هي تتضمن فوائد عظيمة لا يستغني عنها الحاج وقد بذل مؤلفوها جهودًا كبيرة في تأليفها وقد انتفع بها المسلمون فجزاهم الله خيرًا وأحسن ثوابهم، لكني بعد الاستقراء والنظر فيها لم أجد فيها كتابًا جمع كل ما يتعلق بالحج والعمرة والزيارة وكل ما يحتاجه الحاج على نحو شامل جامع، بل رأيتها تكاد تنحصر في ثلاثة أقسام:
القسم الأول منها -وهو الأكثر- هو ما يتعلق بالحج والعمرة وفضائلهما ومناسكهما وما فيهما من أحكام.
1 / 7
٧- شروط الحج: ١-الإسلام ٢-العقل ٣-البلوغ ٤-الحرية٥-الاستطاعة ٦-ويزاد في حق المرأة شرط سادس وهو وجود المحرم الذي يسافر معها إذ يحرم عليها السفر للحج وغيره بدون محرم لقول النبي صلي الله عليه وسلم:"لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم"١ متفق عليه.
فضل الحج والعمرة
ورد في فضل الحج والعمرة أحاديث كثيرة صحيحة منها:
ما في الصحيحين عن أبي هريرة ﵁ قال:سئل رسول الله صلي الله عليه وسلم أي العمل أفضل؟
قال:"الإيمان بالله ورسوله" قيل: ثم ماذا؟ قال:"الجهاد في سبيل الله" قيل: ثم ماذا؟ قال:"حج مبرور" ٢ متفق عليه. وروى البخاري عن عائشة ﵂ قالت: قلت يا رسول الله، نرى الجهاد أفضل العمل أفلا نجاهد؟ قال:"لكن أفضل من الجهاد حج مبرور "٣.وفي الصحيحين عن أبي هريرة ﵁ قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول:"من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه"
_________
١ البخاري ٢/٦٥٩ رقم ١٠٨٦)، مسلم رقم ١٣٣٨) .
٢ صحيح البخاري ١/٩٧ رقم ٢٦)، مسلم ١/٨٨ رقم ٨٣) .
٣ البخاري ٣/٤٤٦ رقم ١٥٢٠) .
1 / 8
١.وفيهما عنه –﵁ قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم:" العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة" ٢.وعن عائشة ﵂ أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال:"ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء؟ " ٣.وفي الصحيحين عن ابن عباس ﵄ قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم:"عمرة في رمضان تقضي حجة أو حجة معي" ٤.العمرة لغة: الزيارة.
شرعًا: هي قصد بيت الله الحرام لأداء نسك مكون من الإحرام والطواف والسعي والحلق أو التقصير وأركان العمرة وواجباتها وأحكامها مثل الحج إلا الوقوف بعرفة وما يتبعه من إفاضة إلى المزدلفة فمنى فرمي جمار، وتختلف العمرة عن الحج في الميقات الزمني فالحج له زمن مخصوص لا يجوز في غيره، أما العمرة فتجوز في كل أيام السنة إلا أيام النحر الأربعة على الحاج، أما على غيره فتجوز عمرته فيها، أما عند أحمد والشافعي فلا تكره العمرة فيها.
_________
١ البخاري ٣/٤٤٦ رقم ١٥٢١)، مسلم رقم ١٣٥٠) .
٢ البخاري ٣/٦٩٨ رقم ١٧٧٣)، مسلم رقم ١٣٤٩) .
٣ مسلم رقم ١٣٤٨) .
٤ البخاري رقم ١٧٨٢)، مسلم رقم ١٢٥٦) .
.
1 / 9
حكم العمرة
اختلف العلماء في حكمها على قولين:
الأول: القول بوجوبها، وهو المشهور عن أحمد والشافعي وجماعة من أهل الحديث وغيرهم ﵏، ومن أدلتهم على ذلك: ما رواه أهل السنن وغيرهم عن أبي رزين العقيلي -وافد بني المنتفق- أنه أتى النبي صلي الله عليه وسلم فقال: إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة، فقال:"حج عن أبيك واعتمر" ١، صححه الترمذي، وقال أحمد: لا أعلم في إيجاب العمرة حديثًا أجود من هذا ولا أصح منه. وبحديث عمر في رواية الدارقطني وفيه قال صلي الله عليه وسلم:"وتحج البيت وتعتمر" ٢.وبحديث عائشة أنها قالت: يا رسول الله هل على النساء من جهاد؟ قال:"عليهن جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة" ٣.واستأنسوا بقوله تعالى: ﴿وَأَتِمُّوا الحَجَّ وَالْعُمرَةَ للهِ﴾ [البقرة:١٩٦] .
الثاني: أنها سنة وليست بواجبة، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة وإحدى الروايتين عن الشافعي وأحمد، وقول أكثر أهل العلم، واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، ومن أدلة ذلك:
_________
١ رواه الترمذي رقم ٩٣٠)، والنسائي ٥/٨٨-٨٩، وابن ماجه رقم ٢٩٠٦) .
٢ رواه ابن خزيمة في صحيحه ١/٤، والدارقطني ٢/٢٨٢.
٣ أخرجه أحمد ٦/١٦٥، وابن ماجه رقم ٢٩٠١) .
1 / 10
والقسم الثاني: هو ما يتعلق بالأخطاء التي تقع من بعض الحجاج والتنبيه عليها.
والقسم الثالث: هو ما يتعلق بالفتاوى.
وقد عزمت على تأليف كتاب أجمع فيه كل هذه الأمور وما يحتاجه الحاج على نحو جامع وشامل
وفي ختام هذه الكلمة أكرر القول أني سبقت في هذا الموضوع والسبق والفضل فيه لغيري، وإن تكن لي من حسنة فهي الجمع والترتيب فجزاهم الله خيرًا، وأسأل الله ﷾ أن ينفعني وأن ينفع به إخواني المسلمين، إنه سميع عليم. هذا وقد جعلته في خمسة أقسام هي:
القسم الأول: وصايا، نصائح، فوائد، آداب، منافع، توجيهات، تحذيرات.
القسم الثاني: مناسك الحج والعمرة وصفتهما.
القسم الثالث: زيارة المسجد النبوي وما فيها من أحكام وآداب.
القسم الرابع: تنبيهات على أخطاء تقع من بعض الحجاج.
القسم الخامس: الفتاوى.
١- تعريف الحج لغة:
قصد الشيء المعظم وإتيانه.
٢- تعريف الحج شرعًا: الحج أحد أركان الإسلام الخمسة، وهو عبادة روحية اجتماعية،
1 / 11
بدنية مالية، ومعناه القصد إلى بيت الله الحرام بمكة المكرمة لأداء النسك فيه وفيما جاوره من الأماكن الشريفة.
٣- فرضية الحج: فرض الحج في السنة التاسعة أو العاشرة من الهجرة، وهذا ما ذهب إليه ابن القيم رحمه الله١، وقال الشيخ عبد الرحمن بن قاسم ﵀:"فرض الحج سنة تسع من الهجرة عند أكثر أهل العلم وجزم به غير واحد من أهل التحقيق"٢.
٤- حكم الحج: فرض فرضه الله على عباده وهو أحد أركان الإسلام الخمسة، فرضه الله تعالى على أهل الإسلام بقوله سبحانه: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حجُّ البَيت مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيه سَبِيلًا وَمَنْ كَفَر فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِين﴾ [سورة آل عمران:٩٧] وقوله تعالى: ﴿الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ﴾ [سورة البقرة١٩٣] وقوله تعالى: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمرةَ للهِ﴾ [سورة البقرة:١٦٦] وقد جاءت السنة الصحيحة عن النبي صلي الله عليه وسلم بالتصريح بأنه أحد أركان
_________
١ انظر: زاد المعاد ١٠٠-١٠١.
٢ حاشية الروض المربع ٢/٤٩٩.
1 / 12
الإسلام ففي الصحيحين عن ابن عمر ﵄ أن النبي صلي الله عليه وسلم قال:"بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام" ١.وفي حديث جبريل في رواية عمر ﵁ عند مسلم أنه قال للنبي صلي الله عليه وسلم: ما الإسلام؟ قال:"أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلًا" ٢، وفي صحيح مسلم أيضًا عن أبي هريرة ﵁، عن النبي صلي الله عليه وسلم قال:"أيها الناس، قد فرض الله عليكم الحج فحجوا" ٣، وأحاديث كثيرة -في الصحيحين وغيرهما- في هذا المعنى، وبفرضه كمل بناء الدين وتم بناؤه على أركانه الخمسة، وأجمع المسلمون على أنه ركن من أركان الإسلام، وفرضٌ من فروضه إجماعًا ضرويًا، وهو من العلم المستفيض الذي توارثته الأمة خلفًا عن سلف.
٥ -أركان الحج: ١ -الإحرام ٢-الوقوف بعرفة ٣- طواف الزيارة ٤-السعي.
٦- واجبات الحج: ١-الإحرام من الميقات.٢-الوقوف بعرفة إلى الليل ٣-المبيت بمزدلفة-المبيت بمنى. ٥-الرمي ٦-الحلق أو التقصير ٧- طواف الوداع
_________
١ البخاري ١/٦٤ رقم ٨)، ومسلم ١/٤٥ رقم ١٦) .
٢مسلم ١/٣٦ رقم ٨) .
٣ مسلم ٢/٩٧٥ رقم ١٣٣٧) .
1 / 13
حديث جابر –﵁ مرفوعًا: سئل -يعني النبي صلي الله عليه وسلم - عن العمرة: أواجبة هي؟ قال:"لا، وأن تعتمر خير لك" ١، صححه الترمذي. قلت: وأصح القولين -والله أعلم- هو القول بوجوبها، وذلك لكثرة الأدلة وقوتها وهو ما ذهب إليه الشيخ عبد العزيز بن باز ﵀ وغفر له- في كتابه التحقيق والإيضاح لكثير من مسائل الحج والعمرة ص٨، حيث قال ﵀:وقد وردت أحاديث تدل على وجوب العمرة منها ثم ساق بعض الأدلة التي تدل على الوجوب.
أركان العمرة: ثلاثة، هي١ - الإحرام٢- الطواف ٣- السعي.
شروط العمرة: خمسة، هي:١- الإسلام.٢-العقل. ٣-البلوغ٤-الحرية٥-الاستطاعة.
واجبات العمرة: اثنان، وهما:١-الإحرام من الميقات٢-الحلق أو التقصير. ولا يجب الحج والعمرة في العمر إلامرةواحدة، لقول النبي صلي الله عليه وسلم في الحديث الصحيح:"الحج مرة فمن زاد فهو تطوع"٢.
_________
١ الترمذي رقم ٩٣١)، النسائي ٥/٨٣.
٢ أخرجه أبو داود رقم ١٧٢١)، والنسائي ٥/٨٣، وابن ماجه رقم ٢٨٦٦) من حديث الأقرع بن حابس.
1 / 14
القسم الثالث
زيارة المسجد النبوي وما فيها من أحكام وآداب
في أحكام الزيارة وآدابها١
وتسن زيارة مجسد النبي صلي الله عليه وسلم، قبل الحج أو بعده لما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة ﵁، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم:"صلاة في مسجدي هذا خيرٌ من ألْفِ صلاةٍ فيما سواه إلا المسجد الحَرام" وعن ابن عمر، أن النبي صلي الله عليه وسلم، قال:"صلاةٌ في مسْجدي هذا أَفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام" رواه مسلم. وعن عبد الله بن الزبير–﵁ قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم:"صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في مسجدي هذا". أخرجه أحمد وابن خزيمة وابن حبان وعن جابر ﵁ أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال:"صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه، إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه"، أخرجه أحمد وابن ماجه والأحاديث في هذا المعنى كثيرة فإذا وصل الزائر إلى المسجد استحب له أن يقدم رجله اليمنى عند دخوله ويقول:"بسم الله والصلاة والسلام
_________
١ من كتاب "التحقيق والإيضاح" للشيخ عبد العزيز بن باز ﵀ وغفر له.
1 / 75
على رسول الله، أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم، اللهم افتح لي أبواب رحمتك"، كما يقول ذلك عند دخول سائر المساجد، وليس لدخول مسجده صلي الله عليه وسلم ذكر مخصوص، ثم يصلي ركعتين فيدعو الله فيهما بما أحب من خيري الدنيا والآخرة، وإن صلاهما في الروضة الشريفة فهو أفضل، لقوله صلي الله عليه وسلم:"ما بَينَ بَيتي ومنبري روضة من رياض الجنة"، ثم بعد الصلاة يزور قبر النبي صلي الله عليه وسلم، وقبرَي صاحبيه، أبي بكر وعمر ﵄ فيقف تجاه قبر النبي صلي الله عليه وسلم بأدب وخفض صوت، ثم يسلم عليه، ﵊ قائلًا:"السلام عليك يا رسول الله ورحمةُ الله وبركاته"، لما في سنن أبي داود بإسناد حسن عن أبي هريرة ﵁ قال:قال رسول الله صلي الله عليه وسلم:"ما من أحَدٍ يُسَلِّم عليَّ إلا رَدَّ الله عليَّ روحي حَتَّى أَرُدَ ﵇"، وإن قال الزائر في سلامه:"السلام عليك يا نبي الله، السلام عليك ياخيرة الله من خلقه، السلام عليك يا سيد المرسلين وإمام المتقين، أشهد أنك قد بلغت الرسالة وأديت الأمانة ونصحت الأمة وجاهدت في الله حق جهاده"، فلا بأس بذلك؛ لأن هذا كله من أوصافه صلي الله عليه وسلم، ويصلي عليه، ﵊، ويدعو له، لما قد تقرر في الشريعة من شرعية الجمع بين الصلاة والسلام عليه، عملًا بقوله تعالى: ﴿ياأهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب:٥٦]، ثم يسلم على أبي بكر وعمر ﵄ ويدعو لهما ويترضى عنهما وكان ابن عمر ﵄ إذا سلم على الرسول صلي الله عليه وسلم
1 / 76
وصاحبيه، لا يزيد غالبًا على قوله:"السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا أبتاه"، ثم ينصرف وهذه الزيارة إنما تشرع في حق الرجال خاصة، أما النساء فليس لهن زيارة شيء من القبور، كما ثبت عن النبي صلي الله عليه وسلم، "أنه لعن زوارات القبور من النساء والمتخذين عليها المساجد والسرج" وأما قصد المدينة للصلاة في مسجد الرسول صلي الله عليه وسلم، والدعاء فيه، ونحو ذلك مما يشرع في سائر المساجد، فهو مشروع في حق الجميع لما تقدم من الأحاديث في ذلك.
ويسن للزائر أن يصلي الصلوات الخمس في مسجد الرسول صلي الله عليه وسلم، وأن يكثر فيه من الذكر والدعاء وصلاة النافلة اغتنامًا لما في ذلك من الأجر الجزيل.
ويستحب أن يكثر من صلاة النافلة في الروضة الشريفة، لما سبق من الحديث الصحيح في فضلها، وهو قول النبي صلي الله عليه وسلم:"ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة" أما صلاة الفريضة فينبغي للزائر وغيره أن يتقدم إليها ويحافظ على الصف الأول مهما استطاع، وإن كان في الزيادة القبلية لما جاء في الأحاديث الصحيحة عن النبي صلي الله عليه وسلم، من الحث والترغيب في الصف الأول. ولا يجوز لأحد أن يتمسح بالحجرة أو يقبلها أو يطوف بها؛ لأن ذلك لم ينقل عن السلف الصالح بل هو بدعة منكرة!
1 / 77
ولا يجوز لأحد أن يسأل الرسول صلي الله عليه وسلم قضاء حاجة أو تفريج كربة أو شفاء مريض أو نحو ذلك؛ لأن ذلك كله لا يطلب إلا من الله سبحانه، وطلبه من الأموات شرك بالله وعبادة لغيره، ودين الإسلام مبني على أصلين: أحدهما: ألا يعبد إلا الله وحده. والثاني: ألا يعبد إلا بما شرعه الله والرسول صلي الله عليه وسلم.
وهذا معنى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله.
تنبيه
ليست زيارة قبر النبي صلي الله عليه وسلم واجبة ولا شرطًا في الحج كما يظنه بعض العامة وأشباههم، بل هي مستحبة في حق من زار مسجد الرسول صلي الله عليه وسلم، أو كان قريبًا منه أما البعيد عن المدينة فليس له شد الرحل لقصد زيارة القبر، ولكن يسن له شد الرحل لقصد المسجد الشريف، فإذا وصله زار القبر الشريف وقبر الصاحبين، ودخلت الزيارة لقبره ﵇ وقبر صاحبيه تبعًا لزيارة مسجده صلي الله عليه وسلم، وذلك لما ثبت في الصحيحين أن النبي صلي الله عليه وسلم قال:"لا تُشَدُّ الرِّحالُ إلا إلى ثلاثة مساجد: المسْجد الحرام ومَسْجدي هذا والمسجد الأقْصَى"
1 / 78
فصل
في استحباب زيارة مسجد قباء والبقيع
ويستحب لزائر المدينة أن يزور مسجد قباء ويصلي فيه، لما في الصحيحين من حديث ابن عمر، قال:"كان النبي صلي الله عليه وسلم يزور مسجد قباء راكبًا وماشيًا ويصلي فيه ركعتين"وعن سهل بن حُنيف ﵁ قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم:"من تَطهَّر في بيته ثم أَتَى مسجد قُبَاء فصلَّى فيه صلاةً كان له كأجْر عُمْرة".
ويسن له زيارة قبور البقيع وقبور الشهداء وقبر حمزة ﵁؛ لأن النبي صلي الله عليه وسلم كان يزورهم ويدعو لهم، ولقوله صلي الله عليه وسلم:"زُورُوا القُبُور فإنَّها تُذَكِّركم الآخرة" أخرجه مسلم وكان النبي صلي الله عليه وسلم يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا: "السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية" أخرجه مسلم من حديث سليمان بن بريدة عن أبيه وأخرج الترمذي عن ابن عباس ﵄ قال: مر النبي صلي الله عليه وسلم بقبور المدينة فأقبل عليهم بوجهه فقال:"السلام عليكم يا أهل القُبور يَغْفر الله لنا ولكم أنتم سلفنا ونحن بالأثر" ومن هذه الأحاديث يعلم أن الزيارة الشرعية للقبور يقصد منها
1 / 79
تذكّر الآخرة والإحسان إلى الموتى والدعاء لهم والترحم عليهم فأما زيارتهم لقصد الدعاء عند قبورهم أو العكوف عندها أو سؤالهم قضاء الحاجات أو شفاء المرضى أو سؤال الله بهم أو بجاههم ونحو ذلك، فهذه زيارة بدعية منكرة لم يشرعها الله ولا رسوله ولا فعلها السلف الصالح ﵃، بل هي من الهجر الذي نهى عنه الرسول صلي الله عليه وسلم، حيث قال:"زُورُوا القُبور ولا تَقُولُوا هُجْرًا "وهذه الأمور المذكورة تجتمع في كونها بدعة ولكنها مختلفة المراتب فبعضها بدعة وليس بشرك كدعاء الله سبحانه عند القبور وسؤاله بحق الميت وجاهه ونحو ذلك وبعضها من الشرك الأكبر كدعاء الموتى والاستعانة بهم ونحو ذلك، وقد سبق بيان هذا مفصلًا فيما تقدم، فتنبه واحذر واسأل ربك التوفيق والهداية للحق فهو سبحانه الموفق والهادي لا إله غيره، ولا رب سواه هذا آخر ما أردنا إملاءه والحمد لله أولًا وآخرًا، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله وخيرته من خلقه محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
1 / 80
توجيهات
أخي الحاج: احرص على أداء الصلاة في الجماعة وحافظ عليها واجتهد في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجتنب ما حرمه الله من الكفر والشرك والبدع والمعاصي عمومًا والتي منها أكل الربا والسرقة والغش في المعاملات والظلم والخيانة في الأمانات وشرب المسكرات والدخان وإسبال الثياب وقراءة المجلات السيئة المدمرة للفضيلة الناشرة للرذيلة والحسد والغيبة والنميمة والكبر واستماع الغناء وحلق اللحى وتصوير ذوات الأرواح وغير ذلك.
أخي الحاج: بادر إلى نفع إخوانك الحجاج والإحسان إليهم بالقول والفعل من اسداء النصيحة أو اهداء كتاب نافع أو شريط مفيد وهذا من أعظم النفع لعنايتك بصلاح القلب وكل هذا من وسائل الدعوة إلى الله، قدم لهم الطعام وخاصة المحتاج منهم او مشروبات ونحو ذلك.
أخي الحاج: احذر من ضياع الوقت فيما لا فائدة منه كالتجول في منى مثلًا من مكان لآخر -لا تكثر من النوم- لا تقرأ ولا تسمع إلا ما كان فيه فائدة - احفظ الله يحفظك، احفظ لسانك وبصرك وسمعك ويدك ورجلك عن الحرام تجنب كثرة المزاح المفرط- تذكر الموت واعلم أنك سوف تُقْدِم على مولاك وستكون مرتهن بعملك والأعمال بالخواتيم
1 / 81
- اقتصد في الأكل ولا تكثر منه حتى لا يكون ذلك سببًا في الخمول والكسل عن الطاعة - جدد توبتك واستغفر ربك مرارًا وتكرارًا - قاطع المعاصي من غير رجعة واستحضر عظمة الله ولا تنظر إلى صغر الذنب ولكن انظر إلى عظمة من عصيت-حاسب نفسك وفتِّش عن مواطن التقصير واسأل الله العون والسداد-اسأل عن كل ما أُشكل عليك في أمور دينك ودنياك عند من تثق بعلمه ودينه وأمانته من العلماء الأفاضل واجعل لهم في قلبك قدرًا من المحبة والاحترام-أن تحب لإخوانك المسلمين ما تحب لنفسك- ليكن في قلبك همّ لهذا الدين-لا تنس الدعاء لنفسك ولوالديك وإخوانك وأخواتك وذريتك والمسلمين عامة والمجاهدين في سبيل الله خاصة بالثبات على الدين وقبول الأعمال الصالحة والفوز بالجنة والنجاة من النار.
أخي الحاج: إن خير ما يشغل الوقت في منى حضور مجالس الذكر والصدقة على المستحقين سواء لفقراء مكة أو خارجها ومن ذلك كثرة قراءة القرآن والأذكار المطلقة-الزيارة في الله وقراءة كتاب مفيد نافع وغير ذلك من الأنشطة الدعوية المباركة لأن الحسنات في الحرم مضاعفة والسيئات فيها عظيمة.
1 / 82
تحذيرات
أيها الحاج الكريم:
١- احذر أن تفعل شيئًا من محظورات الإحرام وهي أخذ الشعر وتقليم الأظافر ولبس المخيط للرجل وتغطية رأسه والطيب وقتل صيد البر والجماع وعقد النكاح.
٢- احذر أن تصحب معك آلات اللهو وما يشغلك عن ذكر الله.
٣- احذر أن تتجاوز الميقات بغير إحرام.
٤- احذر أن تقطع شيئًا من نبات الحرم وشجره الأخضر سواء كنت محرمًا أو غير محرم.
٥- احذر أن تقف خارج حدود عرفات فلا حج لمن فعل ذلك.
٦- احذر أن تنصرف من عرفات قبل غروب الشمس.
٧- احذر أن تنصرف من مزدلفة قبل نصف ليلة العيد.
٨- احذر أن تبيت خارج حدود منى لغير عذر.
٩- احذر الرفث والفسوق والجدال والمعاصي كلها في الحج وغيره.
١٠- احذر أن تكون نفقات حجك من مال حرام.
١١- احذر أن تسعى بين الصفا والمروة قبل أن تطوف بالبيت.
١٢- احذر أن تذبح هديك قبل يوم العيد.
1 / 83
١٣- احذر أن ترمي الجمرات أيام التشريق قبل زوال الشمس، واحذر أن ترميها وأنت بعيد عنها، أو أن ترميها بحذاء أو حجر كبير.
١٤- احذر أن تترك الصلاة متعمدًا فتكون من الخاسرين.
١٥- احذر أن تمنع زكاة مالك فيكون عذابًا عليك.
١٦- احذر أن تؤخر حج الفريضة مع القدرة عليه فتموت عاصيًا قبل أن تحج.
١٧- احذر أن تخرج من مكة قبل انتهاء أعمال الحج وطواف الوداع.
١٨- احذر أن ترجع إلى المعاصي بعد الحج فتأثم ويفوتك الأجر.
1 / 84
القسم الرابع
تنبيهات على أخطاء ومخالفات تحصل من بعض الحجاج
مخالفات وتنبيهات عند الميقات١
١- تجاوز الميقات بدون إحرام - لمن أراد الحج أو العمرة:
يقول سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز حفظه الله تعالى: الواجب على من قصد مكة للحج أو العمرة الإحرام من الميقات الذي يمر عليه ولا يجوز له تجاوزه بدون إحرام لقول النبي صلي الله عليه وسلم لما وقَّت المواقيت:"هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة ومن كان دون ذلك فمهله من حيث أنشأ حتى أهل مكة يهلُّون من مكة"٢.
٢-اعتقاد أن الإحرام مجرد اللباس:
يقول فضيلة الشيخ عبد الله الجبرين حفظه الله تعالى: وليس الإحرام مجرد اللباس فقد يلبس الإزار والرداء وهو في بلده بغير نية ولا يسمى محرمًا وقد يحرم بقلبه ويترك عليه لباسه المعتاد كالقميص والعمامة ونحوهما ويفدي٣.
٣- اعتقاد أن أداء الصلاة قبل الإحرام شرط لصحة الإحرام:
يقول سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى: أداء الصلاة
_________
١ مأخوذ من كتاب "تبصير الحاج بما يريد ويحتاج" لعبد المجيد بن سليمان الحديثي.
٢ مجموع فتاوى ابن باز ٥/٧٣.
٣ فتاوى إسلامية ٢/٢١٤.
1 / 87
قبل الإحرام ليس شرطًا في الإحرام وإنما ذلك مستحب عند الأكثر١.
٤- وضع الطيب على الرداء أو الإزار:
يقول سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى: لا ينبغي وضع الطيب على الرداء والإزار إنما السنة تطييب البدن كرأسه ولحيته وإبطيه ونحو ذلك، أما الملابس فلا يُطيبها عند الإحرام، لقوله صلي الله عليه وسلم:"لا يلبس شيئًا من الثياب مسّه الزعفران أو الورس"، فالسنة أن يتطيب في بدنه فقط أما ملابس الإحرام فإنه لا يطيبها وإذا طيبها لم يلبسها حتى يغسلها أو يغيِّرها٢.
٥- إحرام الرجل بالخفين أو الجوربين:
يقول سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى: لا يجوز للرجل أن يحرم بالجوربين ولا في الخفين إلا إذا لم يجد نعلين لقول النبي صلي الله عليه وسلم:"ومن لم يجد نعلين فليلبس الخفين ومن لم يجد إزارًا فليلبس السراويل"، متفق على صحته٣.
٦- اعتقاد أن المنع من محظورات الإحرام يكون بمجرد الاغتسال: وهذا اعتقاد خاطيء فالمنع إنما يكون بعد عقد نية الإحرام.
_________
١ فتاوى إسلامية ٢/٢١٨.
٢ مجموع فتاوى ابن باز ٥/٩٦.
٣ فتاوى إسلامية ٢/٢٢٤.
1 / 88