١٥٠ - وحدثني الوزير فخر الدولة أبو نصر بن جبير قال: كان بعض الشطرنجيين برسم خدمة عضد الدولة أبي شجاع بن بويه، يلاعبه، فلاعبه يوما وله رسم يشرب بحضرته، فحاف النبيذ عليه، وغلب لعضد الدولة فقال له: شاه مات يا خرا! وكان للشطرنجي غلام تركي يخف على قلب عضد الدولة وينفق عنده لنجابته وذكائه، وقد أذن له في أن يسقي بحضرته، فلما سمع الغلام ما قال له مولاه استعظمه، وعلم أن النبيذ قد غلب على عقله فأبدى ما أبدى من جهله، فأخذ مخدة فتركها على رأسه، إعلاما لعضد الدولة أنه لا يحس بفعله، فكيف بقوله؛ فلما كان من غد حضر الشطرنجي على رسمه، ولم يبد لعضد الدولة منه ولا شاهد عنده ما يدل على علمه بما جرى منه، فعلم أنه لم يحس بقوله ولا أطلعه الغلام على فعله لئلا يظهر منه خوف يوحش عضد الدولة منه، فأعجب عضد الدولة بالغلام زيادة إعجاب، وشغف بذكائه فضل شغف، وعرض للشطرنجي به وبالرغبة فيه، فلم يطب الشطرنجي قلبا بإخراجه عن يده، لمحبته له وغلبته عليه، وكونه قوام أمره! ثم مات الشطرنجي فلم يكن لعضد الدولة همة غير الغلام، وأخذه، ووضع عليه من يطارحه الحديث ويعرض له به، فما أقر لأحد بمعرفة تلك الحال وما جرى فيها، واستنبطه بنفسه عن فعل مولاه وقوله وغلطه وجهله، فأنكر أشد الإنكار، وجحد أنه رأى ذلك أو حضره؛ فاختص به عضد الدولة وقدمه حتى استودعه أسراره ومهماته وما لم يكن يثق فيه إلى غير نفسه!
١٥١ - وحكى المرزباني قال: حدثني محمد بن الحسين قال: حدثني أحمد بن محمد الأسدي قال: حدثنا أحمد بن عبد الله بن علي بن سويد بن مخوف عن أبيه قال: كنا مع جعفر بن يحيى فأخبر أن الرشيد مغموم، قال: بماذا؟ قالوا: منجم يهودي قد حكم عليه بأنه يموت في سنته تلك، وإن اليهودي في دار الرشيد موكل به .. فركب جعفر مبادرا وأحضر اليهودي فقال له: يا مدبر ما حملك على هذا القول الذي قتلك وأهلكك؟ قال: هفوة وزلة! قال: قد حكمت على أمير المؤمنين بالوفاة في هذه السنة فهل حكمت لنفسك أن تعيش؟ قال: نعم، قال: كم؟ قال: كذا وكذا سنة، لسنين كثيرة ذكرها، فنهض جعفر بن يحيى إلى الرشيد وأعلمه بما جرى وكذبه عنده، وقال: قد ذكر أنه مختل العقل وأن ذلك حمله على ما قال، وأنها زلة وهفوة يسأل العفو عنها والإقالة منها، فإنها كذب وزور أوجبه فساد عقله والسوداء المعترضة له! فقال الرشيد: هيهات! هذا يقول حيث خاف وفزع! واجتهد جعفر في أن يخرج ذلك من نفس الرشيد فلم يكن إليه سبيل، فقال لهما أيس منه: يا أمير المؤمنين قد ظهر كذبه وحمقه بما لا يقع شك فيه، قال: وما هو؟ قال: قد ذكر أنه يعيش كذا وكذا سنة، وإذا تقدم أمير المؤمنين بضرب عنقه علم كذبه وفساد علمه وأنه لا يصح حسابه لنفسه فكيف يصح لغيره! فتقدم الرشيد بضرب عنقه، وزال عنه ما اهتم له؛ ومضى دم المنجم بحمقه! ١٥٢ وحكي أن أبا عبد الله بن الجصاص صلى خلف إمام، فلما قرأ "غير المغضوب عليهم ولا الضالين" قال ابن الجصاص: إي لعمري! وأنه أراد تقبيل رأس الخاقاني الوزير فقال له مازحا معه: لا تفعل ففي رأسي دهن! فقال: والله لو كان في رأس الوزير خراء لقبلته! وقال يوما: قمت البارحة في الظلمة إلى الخلاء فما زلت أتلمظ المقعدة حتى وقعت عليها! ووصف يوما مصفحا بالعتق فقال: هو كسروي!
١٥٣ - وحدث القاضي أبو حامد قال: كنت قائما بين يدي معز الدولة أبي الحسين بن بويه فقال لأبي جعفر الصيمري وزيره: أريد الساعة خمسمائة ألف درهم لمهم، فقال له: زد أيها الأمير فإني أيضا أريد مثله! قال: فإذا كنت وزيري فممن أطلب إلا منك؟ قال: فإذا كان الارتفاع ما يفي بالخرج من أين لي مال أعطيه إذا طلبته! فحرد معز الدولة فقال: الساعة أحبسك في الخلاء حتى تؤدي ذاك! قال: إذا حبستني في الخلاء خرئت نقرة وضربتها دراهم!! فخجل معز الدولة وأمسك عنه.
١٥٤ - وحدث أبو أحمد الحارثي قال: كان عندنا بواسط رجل مختلف موسر يقال له أبو محمد بن أبي أيوب، وكان يعاشرنا بمغنية يهواها، وكان من غنائها صوت أوله:
إنَّ الخليطَ أجدَّ منتقلهْ ... ولوَ شكِ بينٍ حملتْ إبلهْ
وكانت تجيد فيه الصنعة فيستحسنه ولا يفهمه أبو محمد لتخلفه فاقترحه يوما عليها فقال: بالله يا ستي غني لي:
إني خريت وجئت أنتقله!!
1 / 36