قال الوزير: فحصل ذاك في نفسي، فاتفق أن حضرت يومًا عند الملك وقد جلس فيه للمظالم، فحكم وأمر وأنصف وعدل، وفعل كل فعل جميل مليح استحسنه منه حسدته عليه، وحضرت امرأة تدعي ضيعة غصبها ولده عليها، فحكم لها بها عليه، وانتزعت الضيعة منه وردها إليها، فذكرت خبر المأمون والعباس ابنه مع المرأة التي شكت من اغتصابه ضيعتها وحكمه لها بها وأخذها منه وإعادتها، فأوردته عليه فحين سمعه طرب له وأعجب به، وقال للبطارقة ومن كان حوله: أما ترون إلى اتفاق فعلي وفعل صاحبهم، وزاد في استحسان ذلك وفي ذكره، فقلت: أيها الملك، وداك الإمام في جوارك، وقبره دارس، ولو تقدمت بعمارته لكن لك فيه الجمال الأكبر والذكر الأزهر! فلم يجيبني عن ذاك، وجاء الشتاء فلم يمكنني الرحيل، وأقمت إلى الربيع وانتجزت حوائجي، وخرجت عائدًا إلى العراق، فتبعني بعض أصحابه في الطريق، فلما انتهينا إلى مرحلة من طرسوس قال لي: تدخل إلى طرسوس وتشاهدها؟ قلت: ليست طريقنا، ولا بي حاجة إلى تكلف مرحلتين مضيًا وعودًا حتى أراها! فأعاد القول، فامتنعت، فقال: الملك أنفذني معك لذلك، ولابد منه! قلت: هذا لا دفع له، ودخلت طرسوس، وحملني إلى قبر المأمون، وقد عمل عليه مشهد وقبة كبيرة، وأنفق على ذلك جملة، فدعوت للملك وشكرته، وعدت إلى طريقي.
١٢٦ - لما بنى ابن زياد بيضاء البصرة أمر أصحابه أن يسمعوا من أفواه الناس ما قولون، فأتى برجل وقيل إنه لما رآها تلا: "أتبنونَ بكلِّ ريعٍ آيةً تعبثونً، وتتخذونَ مصانعَ لكم لعلَّكمْ تخلدون،" فقال زياد: ما حملك على ما قلت؟ قال: لم يكن أيها الأمير عن قصد وإنما آية خطت على قلبي فقرأها لساني، لا روية لي فيها ولا نية، قال: فو الله لأعلمن فيك بالآية الثالثة، "وإذا بطشتمْ بطشتمْ جبارينَ"، وأمر به فبنى ركنٌ من أركان القصر عليه!.
1 / 28