فقال المعتصم: ما هذا الشعر؟ فاسترجعت وفزعت من قولي "الملك النائم" وتحرجت أيضًاُ أن أكون سبب هلاك الرجل وفساد أمره، فلجلجت القول، وخفت الحال، وكلما انزعجت ورويت حرص بي، وألح علي، حتى تنعمه فقلت: أقول وأنا آمن؟ قال: نعم فقلت: أظن صاحب بيت الكمال مطل الشعراء شيئًا فعمل هذا الشعر فيه، قال: فما معنى قاسم؟ قد اشترى ابنه جارية اسمها قاسم، بستين ألف درهم، وإياها لاشك عني، فقال: إذًا فأنا الملك النائم لاشك، هذا رجل مملقٌ وليته بيت ليعيش بما يرتزق عليه منذ سنين، فمن أين لابنه هذا المال! ثم قال لإيتاخ: عليك بصاحب بيت المال وابنه فاقبض عليهما، وخذ مائتي ألف درهم منهما، ووله غيرهما.
١٠٠ - وحدث أبو الخطاب زياد بن يحيى قال: حدثنا الهيثم بن الربيع قال: حدثنا الهيثم عن الشعبي، قال: أرسل إلي عبد الملك بن مروان وهو شاك، فقلت: كيف أصبحت يا أمير المؤمنين، قال أصبحت كما قال ابن قميئة أخو بني قيس بن ثعلبة، قلت: وما قال؟ قال: قال:
كأني وقد جاوزتُ تسعين حجَّةً ... خلعتُ بها عني عذارَ لجامي
رمتني بناتُ الدهر من حيث لا أرى ... فكيف يمن يرمي وليسَ برامِ
فلو أنني أرمي بسهمٍ رايتهُ ... ولكنني أرمي بغير سهامِ
إذا ما رآني الناسُ قالوا ألمْ يكن ... حديدًا شديد البطشِ غير كهامِ
فأفنى وما أفنى من الدَّهرِ ليلةً ... ولم يفن ما أفنيت سلكَ نظامِ
على راحتي مرةً وعلى العصا ... أنوءُ ثلاثًا بعدهنَّ قيامي
قال الشعبي: فقلت لا ولكنك كما قال لبيد بن ربيعة، قال: وما قال؟ قلت: قال.
راحت تشكي إليَّ النَّفس مجهشةً ... وقد حملتُكَ سبعًا بعد سبعينا
فإن تزادي ثلاثًا تبلغي أملًا ... وفي الثلاث تمامُ للثمانينا
فعاش والله بعد ذلك حتى بلغ وتسعين حجة فقال:
كأني وقد جاوزت تسعين حجةً ... خلعتُ بها عن منكبي ردائيا
فعاش والله حتى بلغ عشرًا ومائة فقال:
أليسَ في مائة قد عشها رجلٌ ... وفي تكامل عشرٍ بعدها عبرُ
فعاش والله حتى بلغ عشرين ومائة فقال:
عمرتُ حينًا بعد مجرى داحسٍ ... لو كانَ للنفسِ اللجوجِ خلودُ
فعاش والله حتى بلغ أربعين ومائة فقال:
ولقد سئمت من الحياةِ وطولها ... وسؤال هذا الخلق: كيف لبيد؟
فقال عبد الملك: والله لقد ذهب بحديثك عن البأس، فاقعد يا شعبي عندي، ما بيني وبينك إلا الليل، فحدثني قال: فحدثته حتى أمسيت وانصرفت فمات والله في جوف الليل!.
1 / 18