وسمع ذات يوم أن مدير الإدارة حمزة السويفي يشكو ضعف نجله في اللغات الأجنبية فاقترح عليه أن يساعده. وتردد الرجل قائلا: الأوفق أن أحضر له مدرسا خاصا حرصا على وقتك.
فقال له بأسلوبه المختار: لن أغفر لسعادتك هذا القول ..
وتردد على بيت المدير فقدم للشاب مساعدة فذة كان لها أثرها في إنجاحه. وفكر المدير في تقديم مكافأة له فتراجع كأنما يجفل من نار وقال: لن أغفر لسعادتك هذا أيضا ..
وأصر على موقفه حتى سلم الرجل، فقال له بنبرة الممتن: لا زلت أسير فضلك وتشجيعك ..
على أنه شعر في أعماقه بألم يناسب المبلغ الذي رفضه بشهامته. وثمة خيبة أخرى عاناها في تردده على بيت المدير، فقد حلم بأن يجد هناك عروسا «مناسبة» ومن يعلم؟ .. وحلم أيضا بأن خدماته قد تشفع له عند حمزة بك فيغضي عن وضاعة أصله، ويقبله في طبقة جديدة تمهد له السبيل إلى التقدم. ولكن الحلم لم يتحقق، ولم يصادفه في تردده إلا الذكور! سعفان بسيوني ما كان يهمه أصله فهما من أصل واحد تقريبا ومنبت متشابه، ولكن أي فائدة كان يرجوها من الزواج من كريمته؟ لا شيء إلا الذرية والمتاعب والفقر. ولا حب أيضا. فهو لم يحب إلا سيدة، وقد مات قلبه مذ سلاها ، ولكن المتطلعين إلى المجد في طريق الله لا يحفلون بالسعادة.
وتمضي الأيام، وستمضي أبدا، بصيفها اللافح، وخريفها الحالم، وشتائها القاسي، وربيعها الفواح، وسيظل عزيمة مثابرة وهمة متصاعدة وقلبا معذبا وأشواقا طاحنة.
14
وزارته أم حسني كعادتها بين الحين والحين. أهدته برطمانا من الليمون المخلل وجلست على الكنبة وهي تنظر إليه باهتمام أثار فضوله. ضربت على ركبتها فجأة وقالت: تحزنني وحق الحسين وحدتك ..
فابتسم بلا اكتراث فقالت: أنسيت أنك تتقدم في العمر؟ - كلا طبعا يا أم حسني .. - وأنه لا يوجد ما هو أغدر من السنين! - صدقت. - أين الذرية لتؤنس وحدتك؟ - في عالم الغيب.
وصمت قليلا حتى قال ضاحكا: طبع المهنة يتحرك فيك يا أم حسني ..
ناپیژندل شوی مخ