وتناول الرجل «الملاحظات» وراح يقرؤها والآخر يتابعه باهتمام مركز خيالي. لقد سيطرت عليه الملاحظات، هذا واضح. ثم قال بهدوء سطحي: أسلوبك جيد .. - شكرا يا سيدي .. - يخيل إلي أنك قارئ ممتاز. - أعتقد ذلك يا سيدي. - ماذا تقرأ؟ - الأدب، سير العظماء، الإنجليزية والفرنسية .. - هل لك قدرة على الترجمة؟ - إني أمضي أوقات فراغي في مطالعة القواميس.
فضحك حمزة السويفي وقال: شيء جميل، وفقك الله ..
وأذن له في الانصراف ولكنه استبقى «الملاحظات» عنده. وغادر عثمان حجرته ثملا بالأفراح، يؤمن بأنه نال من ثقته ما هو أثمن من الدرجة السابعة نفسها.
وعندما طبع مشروع الميزانية بعد ذلك بأشهر هرع عثمان إلى مقدمة الميزانية فقرأ البيان الذي كتبه بخط يده عدا تغيير طفيف لا يقدم ولا يؤخر. سعد بذلك سعادة كبيرة، امتلأ ثقة بنفسه وبمستقبله، واستوصى بذكائه فلم يفش سر البيان لأحد.
وما لبث أن صدر قرار بنقله من المحفوظات إلى إدارة الميزانية.
ليلتها وقف وراء نافذة حجرته ينظر إلى الحارة الغارقة في الظلام. ورفع عينيه إلى السماء فرأى النجوم الساهرة. مستقرة فيما يبدو ولكن لا شيء جامد في الكون. وقال إن الله خلق النجوم الجميلة ليحرضنا على النظر إلى أعلى. وإن المأساة أنها ستطل يوما من عليائها فلا تجد لنا من أثر. ولا يتحقق معنى لوجودنا إلا بالعرق والدم.
12
قال له سعفان بسيوني: سأحزن لغيابك عن المحفوظات بقدر ما أنا سعيد بك.
وذاب عثمان في الجو العاطفي بإخلاص وقتي فدمعت عيناه وتمتم: لن أنساك أبدا يا سعفان أفندي ولن أنسى عهد المحفوظات. - ولكني سعيد لأنك سعيد ..
فتنهد عثمان وقال: السعادة عمرها قصير جدا يا سعفان أفندي.
ناپیژندل شوی مخ