كما أنك يا سيدي لم تعرف أرقام البيوت، ولم تسمع بها في حياتك فأنا لا أعرف «سر الليل» ولم أسمع به.
الباشا (مستهزئا ضاحكا) :
ألم أقل لك: إنك غريب الديار، ألم تعلم أن «سر الليل» كلمة تصدر من القلعة في كل ليلة إلى «الضابطة» وإلى جميع «القره قولات» والأبواب فلا يجيزون لأحد مشي الليل إلا إذا كان حافظا لهذه الكلمة يلقيها في أذن البواب فيفتح له، وهي تعطى لمن يطلبها من الحكومة سرا لقضاء أشغاله بالليل، وتتغير في كل ليلة، فليلة تكون كلمة «عدس» وليلة تكون «خضار» وليلة تكون «حمام» وليلة تكون «فراخ» وهلم جرا.
عيسى بن هشام :
يظهر لي من كلامك هذا أنك لست أنت من أبناء مصر؛ فما علمنا أن هذه الألفاظ تطلق فيها على غير الأطعمة، ولم نسمع أنها تدل على الإجازة للناس بالسير في ليلهم، على أن الفجر قد دنا، ولم يبق بنا من حاجة لهذه الكلمات ولا لغيرها.
الباشا :
الأمر في ذلك موكول إليك.
قال عيسى بن هشام: فسرنا في طريقنا وأخذ الباشا يزيدني تعريفا بنفسه، ويقص علي من أنباء الحروب وأخبار الوقائع التي شاهدها بعينه وسمعها بأذنه، ويذكر لي ما شاء من مآثر «محمد علي» وشجاعة «إبراهيم».
وما زلنا على تلك الحال حتى وصلنا في ضوء النهار إلى ساحة القلعة، فوقف وقفة المستكن الخاشع يقرأ سورة الفاتحة لضريح محمد علي، ويخاطب القلعة بقوله في بلاغة تركيته:
إيه لك يا مصدر النعم ومصرع الجبابرة من عتاة المماليك، ويا بيت الملك وحصن المملكة ومنبع العز ومهبط القوة ومرتفع المجد وموئل المستغيث وحمى المحتمي وكنز الرغائب ومنتهى المطالب ومثوى البطل الشهم ومقبر الملك الهمام، أيها الحصن كم فككت بالكرم عانيا. وقيدت بالإحسان عافيا، وكم أرغمت أنوفا، وسللت سيوفا، وجمعت بين البأس والندى، وداورت بين الحياة والردى.
ناپیژندل شوی مخ