فهو الدواء لداء الجبن والقلق
إذا ترنم شاد للجبان به
لاقى المنايا بلا خوف ولا فرق
وإن تمثل صاد للصخور به
جادت عليه بعذب غير ذي رنق
وهكذا قضيت مع الباشا زمنا ليس بقصير أستخرج له نفائس الأعلاق، من بطون الأوراق، وأقتطف معه زهر الأدب العاطر، من حدائق الكتب والدفاتر، إلى أن قال لي ذات يوم بين ندم ولوم:
الباشا :
إن أعظم ما آسف عليه اليوم تلك الأيام التي أضعتها من سالف عمري فيما لا يجدي ولا يفيد من مشاغل الدهر وملاهي العيش، ويا ليتني كنت قصرت همي منذ صباي على مثل هذه المعيشة مع هذا التفرغ لاجتناء فوائد العلوم واقتناء فرائد الآداب مغتبطا سعيدا لا حاسدا ولا محسودا، أتنقل من مطالعة الكتب إلى مذاكرة العلماء، ومن مذاكرة العلماء إلى مسامرة الفضلاء، ومن مسامرة الفضلاء إلى مطارحة الأدباء، والله يعلم أن أسفي ليزيد شدة، وأن ندمي ليعظم حدة كلما تذكرت ما كانوا يحدثونني به في أيام دولتي عن مجالس العلم والأدب، فما كنت آبه ولا أنتبه إليها، وكنت أظن أهلها قوما من أهل الكسل والفراغ يجلسون للدفاتر والكتب كما تجلس النساء للغزل والردن،
12
والحمد لله الذي أرشدني إلى الهدى آخر الدهر، فعلمت مقدار هذه النعمة التي حببت إلي الحياة ثانية، وهونت علي احتمال متاعبها، وما إخالك تبخل علي بعد الآن وقد علمت نفع ذلك لي، بمداومة السير معي في هذا الطريق الحميد، وما أرى من بأس في أن نترك هذه العزلة حينا بعد حين للاجتماع بالناس في مجالس الأدب ومجامع الفضل وأندية العلم لنتذاكر معهم ما نطالعه ونأخذ عنهم ما يحفظونه، وقد زالت المخاوف واطمأنت الخواطر بزوال الأوبئة والطواعين، والحمد لله رب العالمين.
ناپیژندل شوی مخ