بل من هنا جمال الحيوان الأعجم، وجمال المهر الكريم وقد اختال بعنقه وشال بذنبه وضمر بدنه، وأصبح في الجملة كالكلام المختصر المفيد، والكلام المختصر البليغ؛ لأنه يبلغ حيث شاء.
والجسم الجميل الذي نشهده على هذا المنوال تراه العين ولا تحس أنها أدركته، لأنها إذا أدركته تأملت فيه وسرحت في معانيه، فإذا هي بعيد بعيد ... أبعد من الفراش الذي يقع عليه الطفل فإذا هو على الغصن، ويثب إليه في غصنه فإذا هو في الهواء.
هو مدرك نفوس وأرواح وليس بمدرك نظرات ولمسات؛ ومن هنا قلنا: إن الجمال واللذة قد يتناقضان؛ لأن الجمال معنى تفرغه على جسد، واللذة جسد قبل كل شيء.
ولن يتمثل هذا الفارق في شيء كما يتمثل في الحركة الجميلة من الجسم الجميل؛ أي في الرقص الفني الرفيع.
فالراقصة وهي تتمايل كما تريد على أطراف أصابعها ترتفع بالجسم إلى عالم المعاني التي تسخر المادة لحركاتها ولا تحفل بقانون الجذب الذي يتسلط على الأجساد الأرضية من الأحياء وغير الأحياء.
فهي هنا كالشاعر الذي يخطر له المعنى فيلتمس له جسما من الألفاظ مطيعا لمعناه، أو كالمثال الذي يشيع في نفسه الجمال فيلتمس له قالبا من الدمى الحسان يفرغه عليه، وكالخاطر الذي ينطلق من عالم الأثقال والضرورات إلى عالم لا ثقل فيه ولا ضرورة.
أو هي تطوع الجسد للحركة الحرة، وهي حرة لأنها موزونة تدل على المشيئة، ولو لم تكن موزونة لما كانت لها غاية ولا مشيئة ولا كانت لها حرية ولا جمال، وإنما تكون هي «الفوضى» بغير وزن ولا اختيار ولا جمال.
هذه الحركة الجميلة من ذلك الجسم الجميل تطلق الناظر إليها من عالم الأجساد إلى عالم المعاني والأفكار.
وعلى نقيض ذلك حركة الجسم الذي يستهوي اللذة فينفي المعاني والأفكار ويقيدها بالحس والمادة والأبدان.
ويختلط الأمر في هذه الفوارق بين الأجسام الجميلة والأجسام اللذيذة كلما هبطت الأمم من أوج الحرية إلى حضيض المهانة والخضوع.
ناپیژندل شوی مخ