وفي داخل القصب وجد عبد الباقي ثلاثة شخوص جالسين القرفصاء، لا يبين منهم إلا عيون قادحة بالعظمة والكبرياء، وتكلم أوسطهم: إلى أين أنت ذاهب؟ - إلى السوق. - لتبيع هذه البقرة؟ - أجهز بثمنها ابنتي. - دع البقرة وتوكل على الله. - حياة ابنتي ومستقبلها. - دع البقرة وتوكل على الله. - فقير أنا، فكيف أجهز البنية؟ - ما صناعتك؟ - أدرس في المدرسة، لعلني أعلم أولادكم. - انتظر.
وقال الرجل في الوسط إلى الرجل الذي يجلس على يمينه، وهمس ببضع كلمات، قام بعدها الرجل وانتقل إلى داخل القصب لحظات، ثم عاد فمال على الرجل الأوسط وهمس ببضع كلمات، قال بعدها الرجل الأوسط: اتبع هذا الرجل.
وقال عبد الباقي أفندي هالعا: والبقرة؟!
فقال الرجل في حزم: اتبعه.
وسار عبد الباقي أفندي وراء الرجل، وما هي إلا خطوات حتى وجد نفسه أمام ثلاثة شخوص آخرين، وقال أوسطهم: اسمع يا عبد الباقي أفندي ... - أتعرفني؟ - اسمع ولا تطل الحديث. نحن نعرف حكايتك وقد رأينا أن نشفق عليك. - أطال الله عمرك وأبقاك. - ستأخذ البقرة إلى السوق. - نعم. - وتبيعها، وتأتي إلينا. - نعم . - تأخذ نصف الثمن. - نعم. - ونأخذ نصف الثمن. - نعم. - فقط. - أمرك. - وإن غالطت في الثمن؟ - نعم. - سنقتلك. - نعم! - سنقتلك. - أمرك.
والتفت إلى الرجل الذي قاده إليهم، وقال له في لهجة آمرة حازمة: أعطه البقرة.
وخرج عبد الباقي أفندي ذاهلا عن نفسه حيران لا يفكر في شيء، وسار به الطريق بأقدام لا تعي، وحين بلغ السوق جلس يلهث في جهد كبير، وطلب من بعض من الناس قدحا من الماء، وأتبعه بقدح آخر، ثم قام يسحب بقرته حيث يجتمع تجار البقر. بستين جنيها بل بسبعين، بثمانين، بثمانين، بثمانين، لم تزد. باع عبد الباقي أفندي البقرة بثمانين جنيها، وسار في الطريق الذي جاء منه. أعطيهم أربعين جنيها، وماذا أصنع بالأربعين جنيها الأخرى؟ لقد كان أول ثمن للبقرة ستين جنيها. ماذا يحدث لو قلت لهم إنها لم تأت بأكثر من ستين جنيها، وأشتري أنا الحلة؟ وسلمى ماذا ستفعل؟ هذا حظي وماذا أستطيع أن أفعل؟ ماذا أستطيع ... أن أفعل؟ يجب أولا أن أخفي العشرين جنيها، يجب أن أخفي العشرين جنيها، نعم في الطربوش بين الخوص والصوف في الطربوش. ودخل عبد الباقي أفندي إلى القصب وأخذ من الثمانين جنيها عشرين أخفاها في الطربوش، ووضع الستين جنيها في جيبه كما كانت وعاد إلى الطريق، وحين بلغ المكان المعهود وجد الرجل الذي استقبله في الصباح واقفا، ولم يتكلم الرجل ولا تكلم عبد الباقي أفندي، وإنما تبعه في صمت، ووجد الثلاثة الذين استقبلوه الاستقبال الأول. - هيه يا عبد الباقي أفندي. - نعم. - بكم بعت البقرة؟ - نعم. - بكم بعت البقرة؟ - بستين جنيها. - ماذا؟! - نعم. - ماذا؟! - بستين جنيها. - يا خسارة يا جدع. - نعم. - لقد حكمت على نفسك بالإعدام. - أنا! - لقد بعتها بثمانين جنيها. إعدام، من أجل عشرين جنيها. - أنا! - أنت. - أنا في عرض النبي. - لقد كذبت يا عبد الباقي أفندي، لقد كذبت. - أنا في عرض النبي. - أين العشرون جنيها؟ - أنا في عرض النبي. - أين العشرون جنيها؟
ودون وعي قال: لا أدري. أنا في عرض النبي.
وقال الرجل الأوسط في حزم: خذه فاقتله.
وارتمى عبد الباقي أفندي على قدمي الرجل، وقال الرجل في عظمة هادئة: أستغفر الله العظيم يا عبد الباقي، أستغفر الله العظيم. ولكني لا أستطيع أن أعمل لك شيئا؛ العدل يجب أن يأخذ مجراه.
ناپیژندل شوی مخ