ومن حسن الحظ أن وجدت تلك البقعة فاستطعنا أن ندرس نظامها في زمن أوشك أن يغيب فيه، فإذا عدوت بعض أجزاء الدكن التي تسكنها عروق متأخرة لم تر في جميع الهند سوى بقعة واحدة تفلتت بفضل موقعها الجغرافي من المؤثرات الأجنبية فحافظت على نظمها وعاداتها القديمة وما فطر عليه أهلوها من خلق الحرية والاستقلال، وتلك البقعة هي المنطقة الجبلية الواسعة التي نصفها باسم راجبوتانا، وتلك البقعة هي البلد الهندي الوحيد الذي لا يزال يملكه حفدة قدماء الملوك ولا يزال ممسكا بتلابيب النظم الأولى وآثار الماضي مع تعاقب القرون، ونحن، إذ ندرس هذه النظم كما تبدو اليوم للباحث نتمكن من رسم صورة صادقة عن نظام ممالك الهند التي كان يسكنها أهلون من الآريين حوالي القرن العاشر من الميلاد. (2) المجتمع الهندوسي حوالي القرن العاشر من الميلاد
يمكننا أن نقيس الحضارة الهندوسية التي دامت من القرن الثامن إلى القرن الثاني عشر بعد الميلاد بالحضارة الأوربية في أواخر القرون الوسطى، وذلك عند النظر إلى المباني العظيمة وبعض الكتب الأدبية التي انتهت إلينا من ذلك العصر، فقد بلغت الفنون حينئذ دورها الزاهر في الهند، ويعدل ما شيد في كهجورا وجبل أبو وغيرهما من المباني العجيبة التي ندرسها في مكان آخر ما أسفر عنه الفن الغوطي من الآثار الجميلة، ولن تقوم آثار رائعة كتلك إلا في مجتمع غني مهذب مقدر للفنون مشتمل على فريق من كبار المتفننين، وليس بمجهول لدينا تاريخ مباني ذلك العصر، وهي كثيرة في شمال الهند وراجبوتانا وشواطئ أوريسة، وتؤلف أصدق ما لدينا من الوثائق عن ذلك العصر، وما وصل إلينا من كتب ذلك العصر الأدبية من أشعار وروايات فجدير بالذكر، وإن كان من الحذر الحسن ألا يستند إليها كثيرا لتعذر معرفة الزمن الذي صيغت فيه في الغالب: أهو نحو سبعة قرون أم نحو ثمانية قرون، ولكننا إذا علمنا أن الأمور تتبدل في الهند قليلا، وأن مضي القرون فيها كمضي السنين في سواها، أمكننا أن نقتبس من تلك الكتب بعض المعارف العامة التي نكملها بوثائق أصدق منها.
وعلى ما نقوله، تقريبا، من أن القصائد الحماسية الهندوسية الكبيرة المعروفة بالراماينا والمهابهارتا هي وليدة كل دور ما صححت وأكملت بما أضيف إليها في غضون عشرة قرون نرى أصلها أقدم من الميلاد، وأنها لا تصلح جيدا لاستنباط المعارف التي تطبق على العصر الذي ندرسه في هذا الفصل، وكل ما نرى الاعتماد عليه في هذا المضمار هو القطع التمثيلية التي تعد كاليداسا وسدراكا أهمها، ولا نعرف تاريخ هذه القطع التمثيلية بالضبط، ويلوح لنا، مع ذلك، أنها وضعت بعد القرن الأول من الميلاد وقبل القرن العاشر من الميلاد، وإذ إن ما يستنبط منها لا يختلف عما يستنبط من المصادر الأخرى نقتصر على اقتباس وصف موجز لإحدى المدن الهندوسية الكبيرة وللمجتمع الهندوسي، وهذا الوصف يوجد في رواية سدراكا «مركبة الصلصال»
1
التي تمر من أوجين عاصمة مالوا ذات المباني الخربة في الزمن الحالي.
شكل 4-3: إيلوار. معبد كيلاسا المصنوع من حجر واحد «القرن الثامن من الميلاد.»
2
وما جاء في تلك الرواية من وصف القصور والبيوت والمعابد يقضي بالعجب وينال الباحث منه الأرب، وليس في هذا الوصف ما يوصم بالمبالغة ما شهد به من زار مباني غواليار وكهجورا وجبل آبو، فقد رسم واضع تلك الرواية أمامنا، بوصف ساحر، صورة قصر رخامي مرصع بالحجارة الكريمة ذي رداه مجهزة بصفائح ذهبية موشاة بالألماس وذي قناطر من العاج المنقوش وذي جدر محاطة بحدائق وأزهار زاهية مشتملة على متكآت مظللة، وحدثنا عن معابد رائعة منعكسة على مياه النهر مشتملة على محاريب حافلة بالأسرار عامرة بكاهنات سافرات ذوات كعوب ومعاصم محاطة بخلاخل وأسورة من ذهب وفضة تجلجل باتزان عندما يرقصن أمام الآلهة بانسجام.
ومن أزهى دور تلك المدينة دار الخليلة الكبرى وسنت سينا التي كانت من أهم وجوهها، وقد كان للخليلات في ذلك العصر من الشأن العظيم مثل ما كان لهن في عصر بريكليس اليوناني، ومن ينعم النظر في الخلاصة الآتية التي أقتبسها من رسالة لمسيو سوبه فوصفت فيها تلك الدار يعلم ضئولة نفائس الخليلات في زماننا إذا ما قيست بها.
في تلك الدار رداه ثمان وفسيفساء رائعة، وزرابي
ناپیژندل شوی مخ