والحاج الصيني فاهيان ذلك قد قام برحلته في الهند بعد الميلاد بأربعة قرون؛ ليزور الأماكن المقدسة التي ولد فيها بدهة وعاش وامتحن ووعظ، وليباحث آئمة البدهية وينسخ الكتب المقدسة.
كانت البدهية في تلك الأثناء بالغة ذروتها، فكان البنجاب ووادي الغنج زاخرين بالأديار التي يقصدها ألوف الرهبان؛ ليتعلموا فيها أسرار الدين ويتبتلوا إلى التأمل العميق الدائم قبل أن ينعموا بنروانا، وتلك الأديار كانت تقوم على صدقات المؤمنين وهبات الملوك، وكانت مركزا للمعرفة ومقرا لحل المعضلات، وكان يسودها صمت زهد فتتم الأمور اليومية فيها بنظام مطلق، وفي تلك الأديار حل فاهيان ضيفا فوجد ثلاثة آلاف راهب يسكنونها فيجتمعون حول الموائد من غير أن يسمع لهم صوت ولآنيتهم ركز فقضى العجب من وقارهم وحيائهم واتزانهم.
وظهرت عدة مذاهب يمكن ردها إلى فرقتين، فرقة المحمل الكبير وفرقة المحمل الصغير، فتمثل الأولى الفلسفة البدهية وتمثل الثانية أدبها، وكانت الأساطير توضع وتنمو ثم تصبح من أصول الدين، وكانت الطقوس تنظم والأعياد والمواكب تزيد وكانت الصور والذخائر والزهور والعطور تجسم في هذا الفضاء الذي يتعذر على العامة أن تتخيله، فكان بذلك قيام الفلسفة البدهية.
شكل 3-19: أحمد آباد. مسجد راني سبري. دقائق زخرفية «القرن الخامس عشر من الميلاد»، «يبلغ ارتفاع القسم الظاهر في الصورة أربعة أمتار وخمسين سنتيمترا.»
وإذا نظرت إلى البدهية من ناحية الدستور الاجتماعي والطبائع رأيتها تتجلى في تخفيف الآلام وتقليل الضرائب وتسهيل العلائق ونشر السعادة وتعميم السلام بما يلائم طبيعة الهندوسي.
أجل، ظلت الطوائف باقية مختلفة عملا كما في الماضي، ولكنها بدت متحدة تسامحا ورفقا، فكشفت الكروب وأنشئت المشافي وأقيمت المرابط رمزا إلى الإخاء الذي يجمع بين جميع الموجودات.
ومقومات المجتمع الهندوسي تلك، وهي التي أبصرها فاهيان، هي التي تسود جميع الأقطار البدهية، وفترت في الهند بفعل البرهمية التي نهضت بعد زمن فكانت خاسرة لروعتها الأولى حينما أتم هيوين سانغ حجه في القرن السابع من الميلاد، وكان النصر لعنجهية البراهمية على مبادئ البدهية القائلة بالمساواة، وما قام به هؤلاء من مكافحة البدهية كان يعود عليهم بالفائدة، وما في الشعوب، ولا سيما الشعب الهندوسي، من احتياج إلى الآلهة الشخصية المنظورة جذب الجموع إلى الدين القديم بالتدريج، فأسفر ذلك عن خراب المعابد والأديار البدهية في كثير من الولايات، وأخذ بدهة يحتل في المعابد مكانا دون مكان وشنو وشيوا، وأضحت عاصمة البدهية السابقة باتلي بوترا خربة، وصار المكان المقدس بدهة غيا نفسه لا يأوي إليه سوى البراهمة.
وتطورات كتلك حدثت في النظام الاجتماعي، فبعد أن تكلم فاهيان عن حرية الزراع وقلة ما كانوا يؤتونه من الضرائب في زمانه روى هيوين سانغ أن مقدار الخراج الذي أخذوا يؤتونه واحد من ستة أي مثلما كان في زمن منو لا ريب.
وظلت العقوبات خفيفة مع ذلك، وكان يصار، في الغالب، إلى الماء والنار والسم في الابتلاء، كما كان يصار إليه في محاكماتنا الإلهية في القرون الوسطى.
وأثنى هيوين سانغ على أخلاق الهندوس فأعجب بشرفهم وبما نشرته البدهية من الرفق والمحبة بين جميع طبقاتهم، فذكر، على سبيل المثال، الأفراح العامة التي كانت تجمع بين ألوف الآدميين من جميع المذاهب والطوائف فيوزع الملك في أثنائها العطايا السنية على الجميع، لا فرق في ذلك بين البراهمة والشودرا، وبين البدهيين والملحدين.
ناپیژندل شوی مخ