200

هند تمدنونه

حضارات الهند

ژانرونه

وكان لا بد لي من الرجوع إلى القرن السابع من الميلاد أو اكتشاف بلد يتجلى فيه الطور الذي كانت عليه الهند في القرن السابع المذكور؛ لإثبات نظريتي في ذلك التحول وفي تواري البدهية عن الهند، فوجدت أحد مهود البدهية نيبال البلد الذي قاومت البدهية فيه عوامل التطور التي هددته في كل مكان حين صاقبت البدهية البرهمية القديمة، فتجلى فيه الطور الذي اختلطت فيه البدهية بالبرهمية من غير أن تذوب فيها، وفي معابد نيبال بلغت الآلهة الهندوسية والآلهة البدهية من الاختلاط ما يتعذر معه، في الغالب، تبين الدين الذي يقول بها، وهذا ما عرفه علماء الإنجليز الذين درسوا شئون نيبال من غير أن يستطيعوا تفسيره، وما رئي أنه من الألغاز عند عدم تفسيره بدراسة مباني الهند القديمة ظهر لي أنه ليس من الألغاز عند إنعام النظر فيها، فقد ثبت لدي أن اختلاط تلك الآلهة في الهند حدث في كل مكان من الهند في زمان ما، وزال عني العجب من عزو علماء الهندوس قديم المعابد إلى إحدى الديانتين تارة وإلى الديانة الثانية تارة أخرى.

وبمثل ذلك نفسر ما يبدو غريبا في الظاهر، وهو أمر إقامة معابد بدهية وجينية وبرهمية بعضها بجانب بعض في أدوار واحدة، فإذا رجعنا البصر إلى الطور الذي يوشك أن تتمازج فيه ديانتان سهل علينا أن نتمثل ملكا يوزع الهبات، غير محاب، بين معابدهما كما كان يوزعهما أحد الملوك في القرون الوسطى بين كنائس مختلف القديسين.

ولم ينته إلينا سوى ما قصه الحاج الصيني هيوين سانغ الذي زار الهند في ذلك الدور، فروى أن ملكا هندوسيا وزع العطايا بين البدهيين في اليوم الأول من عيد ووزعها بين البرهمية في اليوم الثاني منه، فذلك الدور الذي كانت فيه تانك الديانتان متوائمتين هو الدور الذي سبق انصهارهما في ديانة واحدة، ومن السهل أن نتبين الصورة التي تم فيها هذا الادغام من البحث في الديانة السائدة لنيبال في الوقت الحاضر.

تاريخ دخول البدهية نيبال قديم جدا، والقصة تقول إن بدهة نفسه جاءه، والأمر مهما يكن فإن أقدم المخطوطات البدهية وجدت في أديار نيبال القديمة، وفي القصة أن أشوكا الذي كان ملك مغدها في القرن الثالث قبل الميلاد حج نيبال ليزور معبد شم بهوناتهه ومعبد بشوبتي، إلخ، وفي القصة، أيضا، أن الملك أشوكا هذا هو مؤسس مدينة بتن التي تعرف باسمها النيواري لليتا بتن فيفترض أن أصل هذا الاسم محرف من بتلي بترا التي كانت عاصمة أشوكا في الهند، وغير قليلة المعابد المخروطة الشكل التي عزيت إليه منذ القديم.

غدا نيبال، إذن، مهدا من مهود البدهية، ولا تزال هذه الديانة سائدة له منذ ألفي سنة، وإذا حالت عزلة نيبال دون أفول البدهية عنه، كما أفلت في بقية بلاد الهند، فإنها لم تحل دون تحولها فيه تحولا مشابها للذي غابت به عن بلاد الهند تبعا للمبدأ القائل: إن العلل نفسها تسفر عن النتائج نفسها، ونيبال لما كان عليه من الأحوال الخاصة أخذت البدهية تغيب عنه ببطء، ولهذا البطء نستطيع أن نتصور ماذا كانت عليه البدهية في الهند في القرنين السابع والثامن من الميلاد مع تواري النظم الرهبانية القديمة عنه، ومع عودة الكهنوتية فيه إلى النظام الإرثي ومع رجوع الآلهة القديمة فيه إلى سلطانها السابق.

شكل 3-13: أوديبور. المقبرة الملكية.

اليوم تبدو البدهية والبرهمية في نيبال ديانتين مختلفتين اسما كما بدتا في الهند في القرن السابع من الميلاد، واليوم تبدو تانك الديانتان في نيبال متسامحتين كتسامحهما الذي رأينا وجوده في بقية بلاد الهند قبيل أفول البدهية عنها للأسباب المعروضة آنفا، وبلغ هذا التسامح الذي يفسر بتشابه تينك الديانتين من القوة ما كان به لأتباعهما معابد وآلهة وأعياد مشتركة كما سنرى ذلك.

تفرض البدهية، في نيبال، على أتباعها عبادة ثالوث عال، بدلا من أن تسير مع المذاهب البدهية الفلسفية فترى العالم مؤلفا من هيولى أزلية قادرة على التكوين، وتعد هذه الهيولى آلهة الكون الوحيدة، ويشتمل ذلك الثالوث على ممثل الروح آدي بودهة الذي هو الأصل وعلى ممثل المادة دهرما وعلى ممثل المرئيات سنغها الذي هو نتيجة اتحاد الروح والمادة، ورمز هذا الثالوث، الذي يشابه الثالوث البرهمي المؤلف من برهما ووشنوا وشيوا، هو مثلث ذو نقطة في مركزه، وهذا المركز هو رمز آدي بودهة الذي عد العلة الأولى في آخر الأمر.

وتجيء تحت ذلك الثالوث الأعلى الآلهة البرهمية القديمة: وشنو وشيوا وغنيشا ولكشمي وغيره من الآلهة التي برأها الكائن الأعلى لتسيطر على العالم، وعلى ما تراه من هبوط هذه الآلهة من المرتبة التي قالت بها الديانة البرهمية وظلت من رفعة المقام ما بدت به أهلا ليعبدها البشر بأسره.

ولا تختلف مبادئ بدهيي نيبال في الروح البشرية عن المبادئ البرهمية القديمة بصورة محسوسة، وعدت هذه الروح، كأرواح جميع الحيوانات، صادرة عن العلة الأولى آدى بودهة راجعة إليه بعد عدة تناسخات، والرجوع إلى العلة الأولى بعد هذه التناسخات، أي الفناء في آدي بودهة، هو الهدف الأسمى الذي يؤجر به المؤمنون، ويتوقف عدد هذه التناسخات وطبيعة هذه التناسخات على سلوك الإنسان في حياته، وتعين أعماله مصيره.

ناپیژندل شوی مخ