شكل 3-12: أوديبور. قصر مهارانا «القرن السابع عشر»، «دقائق الجبهة المشرفة على الساحة الكبرى.»
وترى مما عرضناه أنه لا أثر للهوة العميقة التي افترض وجودها بين البدهية والبرهمية افتراضا نشأ عن اطلاع العلماء على البدهية من قراءة الكتب، وما بيته هؤلاء العلماء من رأي هو الذي حال دون تبين ما بينهما من ارتباط، ومما حدث أن البحاثة الأوربي هوغسن الذي عاش في الهند أشار إلى بعض الصور الشيوية التي تشاهد في معابد الهند البدهية فأجهد نفسه في تفسير سبب وجودها فيها فقال إنه لا يوافق ثانية على امتزاج تينك الديانتين اللتين تنفصل إحداهما عن الأخرى انفصال السماء عن الأرض، وهو غسن هذا كان مقيما إنجليزيا بنيبال، وما كان عليه إلا أن يحدق إلى ما حوله ليرى درجة اختلاط الآلهة البدهية بالآلهة البرهمية في معابد ذلك البلد، بيد أن العلماء بلغوا في ذلك الحين من اعتقاد اختلاف تينك الديانتين مبلغا لا يرون معه وجود شيء مشترك بينهما.
ويزيد هذا المثل، الناطق بوجود رأي مبيت حاجب للحقيقة، غرابة عند النظر إلى الرسالة الإنجليزية التي عنوانها «بحث في الشبه بين كثير من الرموز البدهية والشيوية»، فذكر كاتبها، متعجبا، أن كثيرا من كتاب الهند أنفسهم يخلطون ما في المعابد القديمة من الصور البرهمية بالصور البدهية مستندا في ذلك إلى كثير من الأمثلة،
10
مع أن عجب ذلك الكاتب الإنجليزي كان يزول لو أوضح بمثل ما أوضحنا به سبب امتزاج البدهية بالبرهمية. (5) تواري البدهية عن الهند
لا يجهل أحد أن البدهية التي يدين بها اليوم خمسمائة مليون من الآدميين، أي ثلث البشر، توارت تقريبا عن الهند حوالي القرنين السابع والثامن من الميلاد بعد أن كانت الهند مهدا لها فانتشرت في بقية آسيا فغمرت الصين وبلاد التتر الروسية وبرمانية، إلخ، وهي إذا كتب لها بقاء في الهند فليكون ذلك في أقصى حديها فقط، أي في نيبال شمالا وفي سيلان جنوبا.
وترى كتب الهندوس صامتة صمتا تاما عن تواري البدهية عن الهند، وعزي ذلك حتى الآن إلى ما افترض حدوثه من الاضطهادات الشديدة، وإذا سلمنا جدلا بأنه يمكن التوفيق بين مبدأ تسامح الهندوس ومبدأ الاضطهادات الدينية وبأن الاضطهادات تقوض دعائم الدين بدلا من تسهيل انتشاره خلافا لما تؤكد حوادث التاريخ أمره وما إلى هذا من الافتراضات التي لا تصدق وجدنا أنفسنا تجاه المعضلة الآتية وهي: لماذا عزم فجأة أمراء الهند - التي كانت مقسومة إلى مائة إمارة صغيرة - على الكفر بدين مارسه أجدادهم عدة قرون وحملوا رعاياهم على اعتناق دين آخر؟
أخذت أبصر سبب تحول البدهية فور بحثي في مباني الهند، ثم اتضح لي ذلك السبب حين زيارتي لنيبال، فعلمت، إذ ذاك، درجة الأغاليط في الأسباب التي ذكرت إلى يومنا لتفسير ذلك، وبيان الأمر أنني درست أكثر مباني الهند المهمة بإنعام نظر فانتهيت إلى النتيجة القائلة: إن البدهية غابت عن الهند؛ لأنها صهرت بالتدريج في الديانة التي خرجت منها.
والحق أن ذلك التطور تم ببطء، ولكن الذي جعل الباحثين يرون وقوعه بغتة هو عطل الهند من تاريخ، ومن ثم وجود فواصل خمسة قرون أو ستة قرون يتعذر معها وصل ما بين تحولاتها، فترانا إزاء ذلك في حال كحال علماء الأرض السابقين الذين كانوا يرون تحولات طبقات الأرض وسكانها العظيمة، لا ما بينها من الأدوار المتوسطة، فيعزون ذلك إلى الانقلابات العنيفة، ثم تقدم العلم فأثبت لهم أن هذه الانقلابات وليدة تطورات غير محسوسة.
تخبرنا دراسة ما في مباني الهند من النقوش البارزة والتماثيل بتاريخ تطور البدهية، وتوضح لنا كيف أن مؤسس هذه الديانة الذي استخف بجميع الآلهة أصبح إلها، وكيف أنه أخذ يظهر في جميع المعابد بعد أن كنت لا ترى له صورة في واحد منها، وكيف اختلط بالآلهة البرهمية القديمة مقدارا فمقدارا، وكيف أنه تحول إلى إله تابع ، وكيف أن تلك الآلهة دحرته في نهاية الأمر.
ناپیژندل شوی مخ