ويمكن تلخيص ما نعرفه عن ممالك جنوب الهند قبل المغازي الإسلامية بما يأتي: كان جنوب الهند مقسوما، قبل الميلاد، إلى ثلاث ممالك كبيرة، مملكة بنديا ومملكة جولا ومملكة جيرا، وذلك بحسب أساطير الهندوس التي جاءت الكتابات الحجرية مصدقة لها، وكانت مملكة بنديا تلك تقع في أقصى جنوب الهند، وورد ذكرها في المهابهارتا وفي مراسيم أشوكا وأحاديث ميغاستين، ويرى، على العموم، أنها كانت موجودة في القرن الخامس قبل الميلاد تقريبا وإن لم ينته إلينا شيء من تاريخها، واتخذت مدينة مدورا عاصمة لها، ومما لا شك فيه أن كان لسكان مدينة مدورا هذه علاقات بالرومان كما تدل عليه النقود الرومانية التي وجدت بالقرب منها.
ثم استولى بيت جولا المالك على مملكة بنديا حوالي القرن الحادي عشر من الميلاد فظل أمرها اسميا إلى منتصف القرن السادس عشر تقريبا، فلما حلت سنة 1559 استولى عليها راجه بيجانغر، وشيد في عهد الملك تيرومل «1623-1659» ما في مدورا من المباني.
وكانت مملكة جولا تقع في شمال مملكة بنديا وشرقها فتمتد من وادي كولرون ووادي كاويري إلى مستوى مدراس، ومن اسمها اشتق جول مندلم الذي جعله الأوربيون كوروميندل.
ومن المحتمل أن تكون هذه المملكة قد قامت في الزمن الذي قامت فيه مملكة بنديا، فقد ذكرت في مراسيم أشوكا وإن جهلنا تاريخها مثلما نجهل تاريخ بنديا، ونعلم، مع ذلك، أن ملوك جولا كانوا، كما جاء في الكتابات الحجرية، في عظيم يسر ورخاء بين القرن العاشر والقرن الثاني عشر من الميلاد، فقهروا جنوب الهند، وامتد سلطانهم إلى سيلان التي كانوا قد استولوا عليها في سنة 250 قبل ظهور المسيح على حسب ما جاء في التواريخ السنغالية، وبلغت فتوحهم البنغال ومملكة أودهة في الشمال، فكانوا مالكين في القرن الحادي عشر لأقوى ما عرفه جنوب الهند من الممالك، بيد أن نفوذهم لم يدم طويلا، فقد كان آفلا قبل الغزو الإسلامي الذي وقع سنة 1310.
ويظهر أن عاصمة مملكة جولا في القرن الثاني عشر من الميلاد كانت مدينة أورايور القريبة من تري جنابلي فنقلت إلى مدينة كنبهه كونم في القرن الثالث فإلى مدينة تانجور في القرن العاشر.
شكل 1-5: سانجي. منظر الباب الكبير الشمالي «يبلغ مجموع ارتفاعه نحو تسعة أمتار و60 سنتيمترا.»
وكان الجيرا يملكون ناحية الغرب من مملكة جولا، وناحية الشمال من مملكة بنديا، وجزءا كبيرا من ولاية ميسور الحاضرة، وكانت مملكتهم قائمة قبل الميلاد، فقد ورد ذكرها في مراسيم أشوكا أيضا، وكانت هذه المملكة على جانب عظيم من القوة في القرن الرابع والقرن الخامس من الميلاد كما تشهد بذلك تقاويم الفتوح المنقوشة قديما على الحجارة، وبلغت فتوح ملوكهم مدى بعيدا في الشمال فافتخر ملكهم كوغني راجه الثالث في إحدى الكتابات بوصول جيوشه إلى نهر نربدا، وتم هذا الفتح حوالي القرن الثامن من الميلاد، فاستدل عليه من معبد قائم على الطراز الدراويدي في إيلورا.
وكانت مدينة تلاكاد، الواقعة على نهر كاويري والبعيدة اثني عشر فرسخا من شرق ميسور، عاصمة جيرا.
ويضاف إلى تلك الممالك الثلاث مملكة جالوكيا التي مثلت دورا مهما في فن العمارة على الأقل، وكان ظهور هذه المملكة بعد تلك بزمن طويل، فقد قامت في القرن السادس من الميلاد، ثم غاب نجمها بعد ستة قرون، وتقسم أسر جالوكيا المالكة إلى بيت جالوكيا الشرق وبيت جالوكيا الغرب على حسب ما كان ملوكهم يقسمون الدكن.
وكان سلطان ذينك الفرعين مبسوطا، فوق تلك الممالك الثلاث، على أملاك واسعة مشتملة على مملكة ميسور الحاضرة وجزء كبير من مملكة نظام الحالية، وكانا يزعمان أنهما من العرق الراجبوتي فجاء طراز مبانيهما الذي هو مزيج من طراز الهند الشمالية وطراز الهند الجنوبية مؤيدا لزعمها.
ناپیژندل شوی مخ