ومن أسباب تعدد الزوجات التي لم أذكرها بعد ما هو خاص ببعض الطبقات، وما يفيد بيانه للدلالة على سيطرته في بعض البلدان، حتى إن أكثر الأوربيين تدينا اضطروا إلى الاعتراف بضرورته حينما أنعموا النظر في الشعوب التي ظهر فيها مبدأ تعدد الزوجات؛ ومن ذلك أن رأى مؤلف كتاب «عمال الشرق» العالم «مسيو لوپله» بيان الضرورة التي تدفع أرباب الأسر الزراعية في الشرق إلى زيادة عدد نسائهم، وكون النساء في هذه الأسر هن اللائي يحرضن أزواجهن على البناء بزوجات أخر من غير أن يتوجعن، قال مسيو لوپله:
يتزوج رب الأسرة صغيرا على العموم، وتضعف زوجته الأولى بعد أن تكون ذات أولاد كثيرة على حين يبقى تام القوة، فيضطر إلى الزواج مرة أخرى بتحريض الزوجة الأولى غالبا وبموافقتها تقريبا ... وقد يعجب المرء أول وهلة، من حمل امرأة زوجها على الزواج بامرأة أخرى، ولكن العجب يزول حينما نعلم أن النساء في الأسر الإسلامية «الزراعية» هن اللائي يقمن بشئون المنزل مهما كانت شاقة، وذلك أن الفلاحين إذ كانوا يجهلون أمر اتخاذ الخوادم لم يبق للنساء غير الاستعانة بالإماء والقريبات اللائي يكن في الزمرة نفسها، وقد لا يكون هنالك قريبات، وقد لا تسمح الأحوال باشتراء إماء، وقد تصبح الإماء عند اشترائهن جواري منافسات للزوجة الأولى في الحظوة لدى رب الأسرة، فلا يكون لدى الزوجة الأولى ما يستلزم تفضيل الإماء هؤلاء على الزوجات الشرعيات الأخر، ومن ثم ترى أن الزوجة تشير في تلك الأحوال على زوجها بأن يبني بزوجة أخرى، ولا سيما إذا علمت أنها تصنع ذلك حينما تكون آخذة في الهرم منهمكة في واجبات الأمومة.
ومن العوامل المهمة التي ذكرها ذلك المؤلف في تعدد الزوجات عند الشرقيين هو «حبهم للذرية الكثيرين، ولا عجب، فالعقم عند الشرقيين من أعظم ما يصاب به إنسان، والشرقي إذا ما رزق بضعة أولاد طمع في زيادة عددهم، وتزوج بنساء أخر وصولا إلى هذا الغرض.»
ولاحظ ذلك المحقق أن تعدد الزوجات عند الشرقيين لا يؤدي إلى تحاسدهن وتنافسهن، ويرى الأوربيون استحالة ذلك لما يساورهم من مبتسرات لا ريب، ورأي الأوربيين هذا ناشئ عن نظرنا إلى الأمور من خلال مشاعرنا، لا من خلال مشاعر الآخرين، ويكفي انقضاء بضعة أجيال لإطفاء مبتسرات أو إحداثها، ويمكننا أن ندرك ضرورة تبديل رأينا في هذا الأمر عند الرجوع إلى أدوار المجتمعات الفطرية الأولى حين كان النساء شيئا مشاعا بين رجال القبيلة الواحدة، أو إلى الأدوار التي هي أقرب من تلك حين كان النساء شيئا مشاعا بين أفراد الأسرة الواحدة، أو إلى أيامنا التي نرى فيها وجود هذه الطبائع في بعض أجزاء الهند. (2) تأثير الإسلام في أحوال النساء في الشرق
لم يقتصر الإسلام على إقرار مبدأ تعدد الزوجات الذي كان موجودا قبل ظهوره، بل كان ذا تأثير عظيم في حال المرأة في الشرق، والإسلام قد رفع حال المرأة الاجتماعي وشأنها رفعا عظيما بدلا من خفضها خلافا للمزاعم المكررة على غير هدى، والقرآن قد منح المرأة حقوقا إرثية أحسن مما في أكثر قوانيننا الأوربية كما أثبت ذلك حينما بحثت في حقوق الإرث عند العرب، أجل، أباح القرآن الطلاق كما أباحته قوانين أوربة التي قالت به، ولكنه اشترط أن يكون «للمطلقات متاع بالمعروف.»
وأحسن طريق لإدراك تأثير الإسلام في أحوال النساء في الشرق هو أن نبحث في حالهن قبل القرآن وبعده.
يمكننا استجلاء الحال التي كانت عليها النساء قبل ظهور النبي من التحريم الآتي الذي جاء في القرآن:
حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف إن الله كان غفورا رحيما .
وتحريم مثل هذا، وإن كان لا يدل على رقي عادات الأمة التي اقتضته، يهون أمر دلالته عندما نعلم أن ما أشار إليه من العادات كان شائعا بين جميع الأمم السامية، فالتحريم الذي جاء في التوراة (الأصحاح الثامن عشر من سفر اللاويين 6-18) مثل ما جاء في القرآن، ويشير إلى أمور أشد خطرا مما أشار إليه القرآن.
شكل 4-3: امرأة بربرية من الجزائر (من صورة فوتوغرافية).
ناپیژندل شوی مخ