وفي طريقه إلى (أحمد آباد)، ولمّا نزل بها كان يكثر من التردّد إلى المزارات المتبرّكة، ويكثر من الخير بها، وكان له حسن الظّنّ بالعلّامة (خرم خان)، فقال له يوما: نظرت فيما أوثر به أولي الاستحقاق من الإنفاق فإذا أنا بين إفراط في صرف بيت المال وتفريط في منع أهله، فلم أدر إذا سئلت عنهما بما أجيب.
وفي آخر أيّامه- وكان يوم الجمعة- قام إلى المحل واضطجع إلى أن زالت الشّمس، فاستدعى بالماء وتوضّأ وصلّى ركعتي الوضوء، وقام من مصلّاه إلى بيت الحرم، واجتمعت النّسوة عليه آيسات باكيات يندبن أنفسهن حزنا على فراق لا اجتماع بعده، فأمرهنّ بالصّبر المؤذن بالأجر، وفرّق عليهنّ مالا، ثمّ ودّعهن واستودعهن الله سبحانه، وخرج وجلس ساعة، ثمّ استدنى منه راجه محمّد حسين المخاطب بأشجع الملك وقال له: قد رفع الله قدرك بالعلم وله وهي آخر خدمتك لي، أريدك تحضر وفاتي وتقرأ عليّ سورة يس، وتغسلني بيدك وتسامحني فيه، فامتن بما أهّله به وفدّاه ودعا له، ثمّ وقد سمع أذانا قال: أهو في الوقت؟ فأجاب أسد الملك: هذا أذان الاستدعاء لاستعداد صلاة الجمعة ويكون في العادة قبل الوقت، فقال: أمّا صلاة الظّهر فأصليها عندكم، وأمّا صلاة العصر فعند ربّي في الجنّة إن شاء الله تعالى، ثمّ أذن للحاضرين في صلاة الجمعة واستدعى مصلّاه وصلّى، ودعا الله سبحانه بوجه مقبل عليه وقلب منيب إليه، دعاء من هو مفارق للقصر مشرف على القبر، ثمّ كان آخر دعائه: رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ وقام من مصلّاه وهو يقول: أستودعك الله- واضطجع على سريره وهو مجتمع الحواس، ووجهه يلتفت إلى القبلة، وقال: (لا إله إلّا الله محمّد رسول الله)، وفاضت نفسه والخطيب على المنبر يدعو له؛ وفي ذلك عبرة لمن ألقى السّمع وهو شهيد.
وكان ذلك في ثاني جمادى الأولى سنة اثنتين وثلاثين وتسع مئة وحمل تابوته إلى (سركيج) ودفن عند والده. طيّب الله ثراه. «١»
_________
(١) نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنّواظر، ج ٤/ ٣٥٥. ملخّصا.
1 / 29