هابرماس: مقدمه ګڼه لنډه
يورجن هابرماس: مقدمة قصيرة جدا
ژانرونه
لا يمكن تفسير الأسباب؛ ومن ثم الأفعال، تفسيرا صحيحا إلا بمساعدة المعرفة المسبقة للأغراض والقيم والاحتياجات والرغبات والتوجهات البشرية. (4)
المغزى وراء فعل ما، والأسباب الداعية للقيام به، لها محتوى متاح في الأساس لكل من المفسر والفاعل، وليس حكرا على الفاعل وحده.
وبناء على ما تقدم، يرى هابرماس أن النهج القياسي معيب؛ إذ يفترض خطأ أن البشر كائنات تحمل احتياجاتها ورغباتها قبل تفردها ونزوعها للتجمع. علاوة على ذلك، فهو يفترض أن كل فرد يفكر بشكل أداتي من وجهة نظره الشخصية؛ ولذا فإن المعاني العامة والمشتركة تعتمد على أسباب خاصة وفردية. وأخيرا، فهذا النهج يستبدل بكل من المفهوم التأويلي عند دلتاي والمفهوم المنطقي النفساني عند فيبر للاصطلاح الباطن لغويا شيئا آخر أكثر صلة بمفهوم فريجه عن الإشارة الكائنة بالعالم الخارجي. وفي المقابل، يرى هابرماس، كما سيتبين لنا في الفصل التالي، أن المعنى اللغوي لا يمكن اختزاله إلى شروط افتراضات الحقيقة. (2-2) اللاعقلانية ومشكلة نقد الأيديولوجية
تساءل المنظرون الاجتماعيون منذ عهد لودفيج فويرباخ (1804-1883) وكارل ماركس عن علة استعداد الفاعلين للحفاظ على مؤسسات تعوق أو حتى تحبط تحقيق مصالحهم وإعادة استنساخها. لم يجاري الفقراء والمهمشون والمضطهدون المؤسسات والقوانين نفسها - سواء كانت دينية أم اقتصادية أم سياسية - التي تفقرهم وتهمشهم وتضطهدهم؟ الإجابة التي يقدمونها هي أن هذه الفئات تتصرف بلا عقلانية؛ لأنها تتبنى معتقدات خاطئة عن ماهية مصالحها الحقيقية. استخدم ماركس اصطلاح «الأيديولوجيات» الفني (الذي تعرفنا عليه في الفصل الأول) إشارة لمثل هذه المعتقدات الخاطئة. فقد رأى أنه ليس من الكافي للفيلسوف الاجتماعي أن يجعل الفاعلين المضطهدين ببساطة على دراية بمعتقداتهم الخاطئة. فالتغيير الاجتماعي لا يمكن أن يتحقق بإحلال معتقدات سليمة محل أخرى خاطئة هكذا ببساطة. فالمسألة ليست، كما كتب أفلاطون ذات مرة، بمنزلة صب البصر في أعين المكفوفين. ثمة شيء في المجتمع - شيء يتعلق بتنظيمه الاقتصادي لدى ماركس - يجعل الفاعلين أكثر ميلا لاكتساب هذه الأيديولوجيات والتشبث بها، رغم الجهود المثلى للفلاسفة الاجتماعيين الساعية لإزالة الغشاوة من على أعينهم. والأدهى أن استمرار هذه الأيديولوجيات ساعد على استنساخ الأنظمة الاجتماعية الاستبدادية نفسها التي ساعدت على نشأتها، والحفاظ عليها. لقد كانت المشكلة العملية للمنظرين الاجتماعيين الماركسيين تكمن في تحديد وتغيير الآليات المولدة للأيديولوجية التي جعلت الفاعلين ينزعون إلى التصرف بما يتعارض مع مصالحهم الحقيقية.
لقد كانت هذه الاستراتيجية التفسيرية معيبة، مع أنها لم تخل من جاذبية بديهية خاصة. أولا: يجب أن تتاح لدى الناقد الماركسي للأيديولوجية نفسه معلومات موثوقة عن ماهية الآلية المولدة للأيديولوجية، وتفسير وجيه يعلل كون معلوماته الخاصة ليست عرضة لأي نوع من أنواع الخطأ الأيديولوجي الذي ينسبه على نطاق واسع للآخرين. يجد ناقد الأيديولوجية أمامه خيارين: إما أن يستثني نظريته الخاصة من الشك في أنها وهم أيديولوجي. وفي هذه الحالة، لا بد أن تكون هناك وسيلة لتفادي تعرضه للخداع، وينبغي أن تكون معرفة حدوث خداع ما كافية للحيلولة دون تكون المعتقدات الخاطئة. (فور أن نرى حيلة البطاقة، نكف عن الإيمان بسحرها). وإما ألا يستثني نظريته من الشك، وفي هذه الحالة لا يكون هناك أي داع لتصديق ناقد الأيديولوجية أكثر من الأيديولوجية نفسها. على سبيل المثال، يدرك هوركهايمر الجانب الأول من المعضلة. وفقا لتصوره الأصلي للنظرية النقدية، فإن الطبيعة المتعددة التخصصات الانعكاسية الجدلية للنظرية النقدية كان من المفترض أن تحصنها من الأيديولوجية، وتمنح المنظر رؤى متعمقة مميزة في الواقع الاجتماعي. وبالمثل، نجد أن أدورنو أحيانا ما يزعم أنه من حسن الطالع أن واقعة خلال نشأته حصنته من آثار الأيديولوجية. ومع ذلك، فالمنظر النقدي يجد نفسه في موقف مزعج؛ فكلما كان من المفترض أن تكون الآلية المكونة للوهم أكثر عمقا وأكثر فسادا، كان زعمه بعدم التأثر بها أقل مصداقية.
ثانيا: من المقبول حاليا وعلى نطاق واسع أنه لا يمكن تفسير المعنى إلا على فرض أن الناس عقلانيون في الأساس، وأن معتقداتهم صحيحة إلى حد بعيد. إذا كان المفسر على استعداد للقبول باللاعقلانية والخطأ الشائع نفسه لدى الفاعلين الذين يحاول تفسير أفعالهم، فسيقبل الكثير من التفسيرات المحتملة لسلوكهم. (وربما أن الشخص المار من أمامنا يعتقد أن ثمة دبا خفيا يطارده). وبذلك فإن المفسر يحرم نفسه من أي وسائل موثوقة لتحديد أي التفسيرات صحيح؛ ومن ثم فهم معنى الأفعال المراد تفسيرها. لا يمكن التوسع في فكرة الوهم الأيديولوجي أكثر من اللازم دون الحط من شأنها. فإذا بولغ في الاحتكام إلى اللاعقلانية، فإن ذلك يهدد بأن يصبح العالم الاجتماعي غير مفهوم. تستجيب النظرية الاجتماعية عند هابرماس، كما سنرى في الفصل الرابع، إلى هذه المشكلة بإعادة صياغة فكرة الأيديولوجية، ومفهوم النقد الأيديولوجي المرتبط بها في سياق تمييزه بين الفعل التواصلي والفعل الأداتي. من وجهة نظر هابرماس، الإجابة ليست أن كثيرا من الناس، دون دراية منهم، يتصرفون بلا عقلانية، بل إنهم يوجهون بفعل الأنظمة الاقتصادية والإدارية إلى أنماط بعينها من السلوك العقلاني بشكل أداتي. (2-3) مشكلة النظام الاجتماعي
يهتم هابرماس - شأنه شأن كثير من المنظرين الاجتماعيين من قبله - بمسألة إمكانية وجود نظام اجتماعي. وتطرح هذه المسألة كثيرا كما أثارها توماس هوبز (1588-1679). فقد تساءل هوبز كيف يمكن أن ينشأ نظام اجتماعي متوقع ومستقر من رحم أفعال أعداد مهولة من البشر المتمايزين، قليل منهم يعرف الآخرين شخصيا، وقليل جدا فقط منهم، في أي مكان أو زمان، في موقف يسمح لهم بتنسيق أفعالهم باتفاق صريح بينهم. كانت إجابة هوبز هي أن النظام ينشأ بموجب قوانين وسلطة حاكم قدير يتكئ على استخدام القوة والتهديد الحقيقي بإنزال العقاب.
إن المشكلات المرتبطة بحل هوبز لمشكلة النظام الاجتماعي مألوفة. فمن وجهة نظر الفرد، أحيانا ما يكون الثمن المتوقع لمخالفة القوانين وانتهاك الأعراف - أي العقوبة - أقل بكثير من المنفعة المتصورة للنجاة من العقاب، وفي هذه الحالة سيكون من المنطقي أكثر مخالفة القانون بدلا من الامتثال له. إن النظريات التي تزعم بيان أن طاعة القوانين الراسخة تعود بالنفع بشكل ما على الفرد - النظريات الاجتماعية الأداتية - تصطدم بما يعرف بمشكلة «المنتفع بالمجان». فهذه النظريات لا تستطيع أن تعلل لماذا يطيع الناس، أو ينبغي أن يطيعوا، القوانين حتى ولو بدا لهم أنه من المنطقي ألا يفعلوا، وأن يستفيدوا شخصيا من طاعة الآخرين. ومن ثم، فمشكلة النظام الاجتماعي لم يوجد لها جواب شاف.
في مواجهة هذه الاعتراضات، لجأ الفلاسفة لنظريات العقد الاجتماعي التماسا لأجوبة لمشكلة النظام الاجتماعي. زعمت هذه النظريات أن النظام الاجتماعي يستند إلى شبكة من العلاقات التعاقدية الضمنية أو الصريحة. ولكن هذه النظريات يصعب عليها هي الأخرى - بل ويستحيل - تفسير متى وكيف تحديدا تم إبرام هذا العقد ما بين الناس الذين من المفترض أن يلتزموا بشروطه. علاوة على ذلك، كما بين دوركايم، ليس كل ما هو تعاقدي منصوصا عليه في العقد. بدلا من تفسير وجود القوانين والأعراف الاجتماعية، تفترض فكرة العقد مسبقا أن ثمة مجموعة كاملة من الأعراف الاجتماعية - وخاصة تلك التي تنص على تنفيذ العقود - موجودة بالفعل.
حاول دوركايم نفسه تفسير النظام الاجتماعي بافتراض أن الفاعلين يلتزمون بالأعراف التي تشكل الوعي الأخلاقي الجمعي. وهم يفعلون ذلك لأسباب إيجابية وسلبية على حد سواء. فمن خلال التطبع الاجتماعي، يربطون بين عقوبات بعينها وانتهاك الأعراف، ويتعلمون كيف يتجنبون هذه العقوبات بالفعل الطوعي. وفي الوقت نفسه، يخالجهم شعور تدريجي بالألفة والتماهي مع الوعي الأخلاقي الجمعي للمجتمع الذي يعيشون فيه. طور عالم الاجتماع الأمريكي تالكوت بارسونز وجهة النظر هذه، فتحولت على يديه إلى نظرية أكثر تعقيدا نوعا ما، مفادها أن امتلاك نظام من الأعراف والقيم يفضي إلى التناسق والاستقرار الاجتماعي. وقال إن الفاعلين يكتسبون نزوعا لتصنيف الدواعي الأخلاقية (اللاأداتية والموجهة نحو الآخرين) في مرتبة أعلى من الدواعي اللاأخلاقية (الأداتية والموجهة نحو الذات)، ونزوعا إلى إنزال العقاب بمن يفشلون في ذلك. وحيث إن أغلب الناس يكتسبون النزعتين معا، فمن الممكن الحفاظ على النظام الاجتماعي مع أن بعض الفاعلين قد ينحرفون من آن لآخر عن الأعراف الاجتماعية. وفي حال فشل الآلية المعيارية في ضمان الالتزام في بعض الحالات، تظل شبكة أمان أداتية في محلها وراء هذه الآلية؛ لأن الناس سيخشون أن ينزل بهم العقاب إذا لم يلتزموا بما تلزمهم به الخلقية.
ناپیژندل شوی مخ