هي توقيفية أم اجتهادية بعكس لما تنظم آية فتوضع في سورة، فهذا توقيفي يقينًا، أما ترتيب السور تقديمها وتأخيرها فمثلا اقرأ باسم ربك المفروض حسب السؤال المطروح آنفا أنها توضع في أول ما نزل فهي قد وضعت في آخر ما نزل، اختلفوا في هذا الترتيب للسور وليس في ترتيب الآيات في السور، ترتيب الآيات في السور توقيفي بدون أي تردد، أما ترتيب السور كما هو الآن في المصحف اختلفوا فمنهم من يقول هذا توقيفي أيضًا من الرسول-﵇ ومنهم من يقول لا هذا باجتهاد من بعده، أما أنا شخصيًا ليس عندي رأي قاطع في الموضوع ولكن أقول إذا كان الراجح أنه توقيفي فهنا يأتي جواب السؤال السابق الله أعلم، وإذا كان هو باجتهاد ممن جمعوا القرآن بعد الرسول-﵇ وصنفوه من بعده على هذا التصنيف فأنا ما عرفت ما هي الحكمة، ولذلك فأكل العلم إلى عالمه". (^١)
فلنتأمل كيف بعلم من الأعلام وسيد من سادات الأنام يقول مثل هذا الكلام، (ما أدري، لا أدري، … فأنا ما عرفت ما هي الحكمة، … ولذلك فأكل العلم إلى عالمه)
فرحم الله الألباني ذاك العالم الرباني.
وقد طال بنا البحث والتطواف فيما مضى ذكره لعظم الخطب. والحمد لله رب العالمين. (^٢)
الفصل الثالث
بيان شروط جمع أبي بكر-﵁ والصفة التي تم بها
وفيه سبعة مباحث:
وهي إجمالًا على النحو التالي:
المبحث الأول: التعريف بـ " زيد بن ثابت " المكلف بالجمع
المبحث الثاني: أبرز المقومات الداعية لاختيار " زيد "
المبحث الثالث: أسباب اختيار " زيد " لهذه المهمة إجمالًا
المبحث الرابع: الدواعي لهذا الجمع
المبحث الخامس: مميزات جمع أبي بكر- ﵁
المبحث السادس: منهج أبي بكر الذي وضعه لـ " زيد " في جمع وتدوين القرآن الكريم
المبحث السابع: مصير صحف أبي بكر- ﵁
وهي تفصيلًا على النحو التالي:
المبحث الأول: التعريف بـ " زيد " المكلف بالجمع
أما المكلف بالجمع فهو: زيد بن ثابت بن الضحاك الأنصاري الخزرجي، من كتَّاب الوحي لرسول الله- ﷺ وكان مشهورًا بالصدق والأمانة، وتفقَّه في الدين حتى أصبح رأسًا بالمدينة في القضاء والفتوى والقراءة والفرائض على عهد عمر وعثمان وعلي ﵃، وكان يُعدُّ من الراسخين في العلم، تُوفِّي سنة ٤٥ هـ، ولمَّا تُوفِّي رثاه حسان بن ثابت- ﵁، وقال أبو هريرة ﵁: "اليوم مات حبر هذه الأمَّة وعسى الله أن يجعل في ابن عبَّاس منه خلفًا" (^٣)
ولقد " ولد في المدينة، ونشأ بمكة، وقتل أبوه وهو ابن ست سنين، وهاجر مع النبي- ﷺ وهو ابن إحدى عشرة سنة، تعلم السريانية في سبعة عشر يومًا ". (^٤)
وإنما اختصه النبي ﷺ بتعلم لغة اليهود، ليكتب النبي- ﷺ إليهم وليقرأ له ما يكتبون. (^٥)
ولقد عُرِفَ زيدٌ واشتهر بكمال الدين والعلم مع حسن السيرة والعدالة، وكان من أصحاب الفتوى الستة من الصحابة ﵃.
وحفظ القرآن الكريم كله عن ظهر قلب في حياة الرسول- ﷺ وكان من أبرز كُتَّابِ الوحي بين يدي رسول الله- ﷺ، كما عرف أنه كان ممن يكتب للنبي ﷺ إلى الملوك كذلك، وغير ذلك من المناقب العظيمة.
ولقد بوب الإمام البخاري- ﵀ في صحيحه في كتاب فضائل الصحابة باب " مناقب زيد بن ثابت ﵁. " (^٦)