والغزالي طبيب نفساني ماهر، فهو يرى أن الدواء إذا زاد قتل، وإن قل أخفق، وأن هذا الدواء قد ينفع لشخص ما ويضر غيره، وكما أن الطبيب لو عالج جميع المرضى بعلاج واحد قتل أكثرهم، فكذلك المرشد لو أشار على المريدين بنمط واحد من الرياضة والمجاهدة أهلكهم وأمات قلوبهم، بل ينبغي أن ينظر في مرض المريد وحاله وسنه ومزاجه وبيئته، ويبني على ذلك حكمه وعلى هذا الهدي يقرر نوع رياضته.
وتلك لفتة بارعة من الغزالي، فلكل نفس حالتها ومزاجها الخاص، فإذا لم يراع في تهذيبها ظروف البيئة والمزاج والاستعداد النفسي لم يصل المربي إلى غايته، ولم يحصل داعي الأخلاق على أمنيته.
الصفات التي يجب تهذيبها
الفضائل في مجموعها عند الغزالي تنحصر في معنيين؛ جودة الذهن والتميز، وحسن الخلق، فجودة الذهن ليميز طريق السعادة والشقاء، وليعتقد الحق في الأشياء ببراهين قاطعة مفيدة لليقين، لا عن تقليدات ضعيفة ولا عن تخيلات واهية، وأما حسن الخلق فإنه يزيل جميع العادات السيئة التي عرف الشرع تفاصيلها فيتجنبها، ويتعود العادات الحسنة ويشتاق إليها.
ثم ينتقل الغزالي من ذلك إلى تفصيل القوى النفسية التي يجب تهذيبها، فيحصرها في ثلاث قوى رئيسية.
قوة التفكير، وقوة الشهوة، وقوة الغضب.
فإذا هذبت قوة التفكير كما ينبغي حصل بها الحكمة التي أخبر الله عنها بقوله:
ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا ، وثمرتها أن يتيسر له التفريق بين الحق والباطل في الاعتقادات، وبين الصدق والكذب في المقال، وبين الجميل والقبيح في الأفعال، ولا يلتبس عليه شيء من ذلك.
القوة الثانية: هي الشهوة، وبإصلاحها تحصل العفة؛ حتى تنزجر النفس عن الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وتنقاد للمواساة والإيثار المحمود بقدر الطاقة.
والثالثة: الحمية الغضبية، وبقهرها وإصلاحها يحصل الحلم، وهو كظم الغيظ وكف النفس عن التشفي، وتحصل الشجاعة وهي كف النفس عن الخوف والحرص.
ناپیژندل شوی مخ