وهنا كلام لابن القيم يناسب المقام، قال رحمه الله تعالى١: "ومن تأمل القرآن والسنة وسِيَر الأنبياء في أممهم ودعوتهم لهم، وما جرى لهم معهم؛ جزم بخطأ أهل الكلام فيما قالوه، وعلم٢ أن القرآن مملوء من الإخبار عن المشركين عباد الأصنام أنهم كانوا يُقٍِرُّون بالله، وأنه هو وحده ربٌّهم وخالِقُهم، وأن الأرض وما فيها له وحده، وأنه ربّ السموات السبع ورب العرش العظيم، وأنه بيده ملكوت كل شيء، وهو يجير ولا يجار عليه، وأنه هو الذي سخّر الشمس والقمر، وأنزل المطر وأخرج النبات. والقرآن مناد عليهم بذلك، محتج بما أقروا به من ذلك على صحة ما دعتهم إليه رسله، فكيف يقال: إن القوم لم يكونوا مقرّين قط بأن لهم ربًا وخالقًا، هذا بهتان عظيم؛ فالكفر أمر وراء مجرد الجهل، بل الكفر الأغلظ هو ما أنكره هؤلاء وزعموا أنه ليس بكفر.
قالوا: والقلب عليه واجبان لا يصير مؤمنًا إلا بهما جميعًا: واجب المعرفة والعلم، وواجب الحب والانقياد والاستسلام، فكما لا يكون مؤمنًا إذا لم يأت بواجب العلم والاعتقاد؛ لا يكون مؤمنًا إذا لم يأت بواجب الحب والانقياد والاستسلام، بل إذا ترك هذا الواجب مع علمه ومعرفته به كان أعظم كفرًا، وأبعد عن الإيمان من الكافر جهلًا، فإن الجاهل إذا عرف وعلم فهو قريب إلى الانقياد والاتباع، وأما المعاند فلا دواء فيه، قال تعالى: ﴿كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ ٣.
قالوا: فحبُّ الله ورسوله- بل كون الله ورسوله أحب إلى العبد من سواهما- لا يكون العبد مسلمًا إلا به، ولا ريب أن الحب أمر وراء العلم، فما كل من عرف الرسول أحبه كما تقدم.
قالوا: وهذا الحاسد يحمله بغض المحسود على معاداته، والسعي في أذاه