وذكر في التنبيه الثالث رؤياه ولم يعبرها فوجب تعبيرها له، وذلك أنه قال:
رأيت منذ ثلاث سنوات ونيف الإمام ابن تيمية والإمام السبكي في رؤيا وهما في مجلس واحد، والسبكي جالس وهو سمين أسمر عليه هيبة ووقار، وابن تيمية واقف أسمر أغبر نحيف الوجه والجسم عليه هيبة العلم، وقد كان أقرب إلي من السبكي فقصدته لأقبل يده، ويغلب على ظني أني قبلتها وسألته عن مقدار عمره فقال ستمائة سنة، ثم انتبهت".
فيقال له: إن صحت رؤياك أيها النبهاني -وإن كان ما تراه يقظة ومنامًا أضغاث أحلام- دلت على أن الله تعالى كشف لك عن حال مقتداك، وشيخ بدعك وهو السبكي، فإنه كما هو المعلوم لدى كل منصف كان من ألد الخصوم لشيخ الإسلام، بل لكل أهل الحق، وحيث كان جالسًا بين يدي خصمه فهو دليل على أن خصمه وهو ابن تيمية قد أقعده على عجزه، والأمر كما رأيت، فقد تكلم السبكي على ما أفتى به الشيخ ابن تيمية في مسألتي الطلاق والزيارة، فرد عليه الشيخ ابن تيمية بعدة مجلدات. يقول ابن السبكي: رأيت منها مجلدًا. وأما سواد الوجه الذي لاح في السبكي فهو بيان ما ابتدعه، قال عز ذكره: ﴿تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ﴾ ١. وأما السمن الذي كان فيه فهو علامة غيظه وشقائه بين يدي خصمه، وأما وقوف ابن تيمية على ساقه فهو النصر على خصومه، وأنه لم يزل قائمًا على ساق الهمة. وأما نحافة وجهه فهو ما كابده من عناء مخاصمة أهل البدع وأعداء الدين، وتعبير سمرته هو من السؤدد، وتقبيل يديه ذلك له وضراعتك للحق، وأما الرجل الذي رأيته وظننته ابن عبد الهادي أو ابن القيم فهو والله أعلم الأول، لأنه الذي رد على مقتداك السبكي بعد وفاة الشيخ ابن تيمية في كتاب (الصارم المنكى في الرد على السبكي) في كتابه (شفاء السقام) وأقعده على عجزه أيضًا، وبين جهله وغباوته، وقد رأيت ولله الحمد تعبير رؤياك من قبل، وأما قوله لك في جواب سؤال عن مدة عمره أنه ستمائة سنة فهو معنى قوله تعالى: ﴿وَلا