رجلٍ خيرًا قُبلت شهادتهم عند الله، ودلَّت على صدق المشهود له، وحسن حالته.
وقد كان أبو عبيد ﵀ يقسمُ اللَّيلَ أثلاثًا، فيصلَّي ثُلثه، وينامُ ثلثه، ويصنع الكتب ثلثه١
فهذا دليلٌ على حرصه واهتمامه بالوقت، إذ الوقتُ رأسُ مالِ المرء، فإذا أحسنَ استغلاله فقد فازَ وربح، وإلا خابَ وخسر، وكانت عادةُ أسلافِنا المحافظةَ على الوقتِ، وقضاءَ أكثرِه فيما فيه فائدةٌ وخيرٌ، حتى قدَّموا لنا تُراثًا علميًا كبيرًا، يعجبُ المرءُ كثيرًا كيفَ ألَّفوه وصنَّفوه وما ذلك إلا من تقواهم، وحرصهم على الساعات واللحظات، حتى وضع اللَّهُ البركةَ في أعمارهم وأعمالهم، فأنتجوا إنتاجًا كبيرًا في مُدَدٍ يسيرة.
وكان أبو عبيدٍ في أوَّل أمره يؤدِّب غلامًا في شارع بشر وبشير٢، ثم صار مؤدِّبًا لأولاد هرثمة بن أعين، أحد ولاة الخليفة العباسي هارون الرشيد كان واليًا على خراسان، ثم ولاَّه الرشيد على بلاد أفريقيا سنة ١٧٧ هـ ٣.
فعند ذلك اتَّصلَ بثابتِ بن نصر بن مالك الخز اعي، فصار يؤدّب أولاده، ثُمَّ وُلِّي ثابتٌ طرسوس ثماني عشرة سنةً، فولَّى أبا عبيد القضاءَ بطرسوس ثماني عشرة سنةً، فاشتغل عن كتابة الحديث.
ثمَّ صار إلى ناحية عبد الله بن طاهر، واتصاله بالطاهريين كان لمّا نزل طاهر بن الحسين إلى مرو سنة ١٩٥ هـ طلب رجلًا ليحدِّثه ليلةً، فقيل له: ما هاهنا إلا رجلٌ مؤدِّبٌ، فأُدخل عليه أبو عبيد القاسم بن سلاَّم، فوجده أعلم الناس بأيام النَّاس، والنحو، واللغة، والفقه، فقال له: من المظالم تركك أنت بهذا البلد، فدفع إليه ألف دينار، وقال له: أنا متوجِّهٌ إلى خراسان إلى حربٍ، وليس أحدث أنّ أستصحبك شفقًا عليك، فأنفق هذا إلى أن أعود إليك، فًبدأ
_________
١ تاريخ بغداد ١٢/٤٠٧.
٢ تاريخ بغداد ١٢/٤١٣.
٣ الكامل في التاريخ ٦/١٣٧.
1 / 256