Gharib al-Quran
كتب غريب القرآن الكريم
خپرندوی
مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف
ژانرونه
كتب غريب القرآن
لم يكن القرآن كتاب دعوة وتشريع حسب، بل كان آية على بدء حياة جديدة كل الجدة للعرب أولًا وعامة المسلمين، ثانيًا: فقد بث - حبًا متدفقًا أبدًا لكل مجالات المعرفة ولكن هذه الورقة تقصر اهتمامها على ما دار حوله هو من معرفة.
وهي معارف كثيرة ومتنوعة، فقد كان القرآن مصدر الفقه وأصوله، والتشريع، والأخلاق، وعلم الكلام - وكان الدافع الأول إلى علوم اللغة والنحو والبلاغة - وتقصر هذه الورقة عنايتها على ما دار حوله من علوم اللغة.
وهي أيضًا كثيرة ومتنوعة. فقد ألف المسلمون أنواعًا جمة من الكتب التي تبتغي توضيح عباراته وإبانة مدلولاته ومن ثم وجدنا كتبًا تحمل عنوان التفسير، وأخرى تحمل عنوان الغريب، وثالثة تسمى المعاني، ورابعة تسمى المشكل، وخامسة تدعى الإعراب. إلخ.
وهذه الدراسة تجعل ميدانها ما سمى "غريب القرآن" فقط، على الرغم من التقارب الشديد بينه وبين "معاني القرآن" مما جعل بعض العلماء القدماء يخلطون بينهما.
وأقدم من عزى إليه كتاب بهذا العنوان عبد الله بن عباس (٣ق. هـ – ٦٨/٦١٩-٦٨) وجاء في كتاب تاريخ الأدب العربي لبروكلمن أنه توجد نسخة منه في مكتبة برلين (١/٣٣) غير أننا لا ندري ماذا فعلت بها أحداث
1 / 1
الحرب العالمية الثانية. وذكر فؤاد سزكين أنه توجد نسخة منه في مكتبة عارف أفندي بتركيا، ولكن ما رجعت إليه من مصادر لم تذكر له كتابًا في غريب القرآن. وبالرغم من ذلك، عرف ابن عباس بتفسير القرآن. وقد جمع السيوطي من تفسير ابن جرير وابن أبي حاتم قائمة منسوبة إلى ابن عباس تفسر كلمات، مرتبة على سور القرآن وآياتها. نمثل له بقوله:
سورة البقرة:
﴿لا يُؤْمِنُونَ﴾ قال: يصدقون
﴿يَعْمَهُونَ﴾ قال: يتمادون
﴿مُطَهَّرَةٌ﴾ قال: من القذر والأذى
﴿الْخَاشِعِينَ﴾ قال: المصدقين بما أنزل الله
﴿وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ﴾ قال: نعمة
وتتوالى الألفاظ في القائمة على هذا النحو: التفسير مجردًا عن كل شيء آخر (١) . ولكن هذا لم يكن ديدن ابن عباس في كل تفسيراته، لأن محاورته مع نافع بن الأزرق الحنفي (٦٥/٦٨٥) تكشف عن اهتمام شديد بالشواهد الشعرية (الإعجاز البياني للقرآن ومسائل ابن الأزرق للدكتورة عائشة عبد الرحمن) ويؤيد ذلك قوله: إذا سألتموني عن غريب القرآن فالتمسوه في الشعر، فإن الشعر ديوان العرب (٢) .
_________
(١) الإتقان ٢/٦-٥٤
(٢) الإتقان ٢/٥٥
1 / 2
ونسب بعض المؤرخين كتابًا في الغريب إلى أبي الحسين زيد بن علي العلوي (٧٩-١٢٢/٦٩٨-٧٤٠)، وإلى أبي جعفر يزيد بن القعقاع (١٣٢/٧٥٠) ولكني لم أعثر على أثر لهما فيما طالعت من كتب.
ونشرع في الخروج من العتمة إلى شيء من نور الوضوح مع الرجل الآتين وهو أبو سعيد أبان بن تغلب بن رباح البكري (١٤١/٧٥٨) فقد أجمع من أرخوا له على أن له كتابًا في غريب القرآن. وقد وصف ياقوت كتابه فقال: "ذكر شواهد من الشعر فجاء فيما بعد عبد الرحمن بن محمد الأزدي الكوفي، فجمع من كتاب أبان، ومحمد السائب، وأبي روق عطية بن الحارث، فجعله كتابًا فيما اختلفوا فيه وما اتفقوا عليه فتارة يجيء كتاب أبان مفردًا وتارة يجيء مشتركًا، على ما عمله عبد الرحمن" (١) .
ويدلنا هذا القول على أن أبا النضر محمد بن السائب الكلبي (١٤٦/٧٦٣) ربما ألف كتابًا في الغريب، وإن كان من ترجموا له نسبوا إليه تفسيرًا كما يدلنا على أن أبا روق كان له إسهامه في الغريب.
ونسب العلماء كتبًا في الغريب إلى أبي الحسن علي بن حمزة الكسائي (١٨٩/٨٠٥) وأبي فيد مؤرج بن عمر السدوسي (١٩٥/٨١٠) من أهل القرن الثاني.
كما نسبوا كتبًا إلى الآتية أسماؤهم ممن توفوا في القرن الثالث وهم:
أبو محمد يحيى بن المبارك اليزيدي (١٣٨-٢٠٢/٧٥٥-٨١٨) .
أبو الحسن النضر بن شميل (١٢٢-٢٠٣/٧٤٠-٨١٩) .
_________
(١) عجم الأدباء ١/١٠٨.
1 / 3
أبو عبيدة معمر بن المثنى (١١٠-٢٠٩/٧٢٨-٨٢٤) .
أبو سعيد عبد الملك بن قريب الأصمعي (١٢٢-٢١٦/٧٤٠-٨٣١) .
أبو الحسن سعيد بن مسعدة الأخفش الأوسط (٢١٥/٨٣٠) .
أبو عبيد القاسم بن سلام (١٥٧-٢٢٤/٧٧٤-٨٣٨) .
أبو عبد الله محمد بن سلام الجمحي (١٥٠-٢٣١/٧٦٧/٨٤٦) .
أبو جعفر محمد بن عبد الله بن قادم (٢٥١/٨٦٥) .
عبد الله بن محمد العدوي المعروف بابن اليزيدي (تلميذ الفراء ٢٠٧/٨٢٢) .
أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة (٢١٣-٢٧٦/٨٢٨-٨٨٩) .
أبو العباس أحمد بن يحيى المعروف بثعلب (٢٠٠-٢٩١/٨١٦-٩٠٤) .
محمد بن الحسن بن دينار الأحول.
أبو جعفر أحمد بن محمد بن يزداد الطبري.
وأشك في صحة نسبة كتاب في غريب القرآن إلى الأصمعي، لأن المعروف عنه أنه كان لا يحب التعرض لتفسير الألفاظ القرآنية تورعًا (١) .
ووصم ياقوت كتاب أبي عبيد بأنه منتزع من كتاب أبي عبيدة (٢) . ووصف ابن النديم كتاب ثعلب بأنه لطيف، أي صغير (٣) .
_________
(١) مراتب النحويين لأبي الطيب ٤٨
(٢) معجم الأدباء ١٦/٢٦
(٣) الفهرست ٧٤
1 / 4
وتمهد الطريق فتوالى التأليف في غريب القرآن كما يوضح الكشاف المرفق ولكن معظم الكتب الواردة فيه مفقود، ولذلك لن أقف إلا عند ما وصل إلينا منها أو ما وصل إلينا أخبار عنها.
وأول ما أتناوله كتاب ابن قتيبة، فقد طبعته دار إحياء الكتب العربية بالقاهرة في سنة ١٩٥٨م بتحقيق السيد/ أحمد صقر. وقد وضح غرضه ومنهجه في مقدمته، فقال:" وغرضنا الذي امتثلناه في كتابنا هذا أن نختصر ونكمل، وأن نوضح ونجمل، وأن لا تستشهد على اللفظ المبتذل، ولا نكثر الدلالة على الحرف المستعمل، وألا نحشو كتابنا بالنحو وبالحديث والأسانيد. فإنا لو فعلنا ذلك في نقل الحديث، لاحتجنا إلى أن نأتي بتفسير السلف رحمة الله عليهم بعينه. ولو أتينا بتلك الألفاظ، كان كتابنا كسائر الكتب التي ألفها نقله الحديث، ولو تكلفنا بعد اقتصاص اختلافهم، وتبيين معانيهم، وفتق جملهم بألفاظنا، وموضع الاختيار من ذلك الاختلاف، وإقامة الدلائل عليه، والإخبار عن العلة فيه، لأسهبنا في القول، وأطلنا الكتاب، وقطعنا منه طمع المتحفظ، وباعدناه من بغية المتأدب، وتكلفنا من نقل الحديث ما قد وقيناه وكفيناه". (ص٣) .
وقصر فيه أيضًا ميدان بحثه على غريب القرآن دون تأويل مشكله، إذ كان قد أفرد للمشكل كتابًا جامعًا كافيًا.
وأشار إلى مراجعه وخطته بإزائها في قوله: "وكتابنا هذا مستنبط من كتب المفسرين، وكتب أصحاب اللغة العالميين، لم نخرج فيه عن مذهبهم، ولا تكلفنا في شيء منه بآرائنا غير معانيهم، بعد اختيارنا في الحرف أولى الأقاويل في اللغة، وأشبهها بقصة الآية، ونبذنا منكر التأويل، ومنحول التفسير" (ص٤) .
1 / 5
ويتضح تقسيم ابن قتيبة كتابه، من قوله: "نفتتح كتابنا هذا بذكر أسمائه الحسنى، وصفاته العلى، فنخبر بتأويلهما واشتقاقهما. ونتبع ذلك ألفاظًا كثر تردادها في الكتاب، لم نر بعض السور أولى بها من بعض ثم نبتدئ في تفسير غريب القرآن، فهو إذن ثلاثة أقسام: أولها يشغل ما بين صفحتي ٦،٢٠ وثانيها ما بين ٢١،٣٧ والبقية للغريب.
ولم يراع المؤلف أي ترتيب في القسمين الأولين، فقد ذكر في أولهما الرحمن، فالرحيم فالسلام، فالقيوم، فالسبوح - وفي الثاني الجن والناس، فإبليس فالأنفس فالشرك. إلخ. أما القسم الثالث فجعله أقسامًا وفقًا للسور، وسار فيه على ترتيبها في القرآن.
ومنهج كتاب ابن قتيبة خليط من منهجي كتب اللغة وكتب التفسير، فهو يضم ظواهرهما معًا. فبينما يفسر الألفاظ لغويًا، ويستشهد عليها كثيرًا بالأشعار والأحاديث وأقوال العرب، ويبين وزنها أحيانًا، يفسرها قرآنيًا، فيبين في السور المدني من المكي أحيانًا، ويقتبس أقوال مشهوري المفسرين، وكثيرًا ما أحال على كتابه في المشكل.
ووصل إلينا من كتب القرن الرابع كتاب محمد بن عزيز السجستاني الذي روى أبو البركات الأنباري أنه صنفه "في خمس عشرة سنة، وكان يقرؤه على شيخه أبي بكر بن الأنباري، فكان يصلح فيه مواضع" وقد طبع هذا الكتاب الأستاذ مصطفى عناني عام ١٩٣٦م وعنوانه "نزهة القلوب" ويختلف هذا الكتاب عن غريب ابن قتيبة كل الاختلاف، فلا مقدمة له يشرح فيها منهجه، ولا أقسام به، وإنما الألفاظ الغريبة ترتب وفقًا للحرف الأول منها وحده. وكان ابن عزيز يقسم الحرف الواحد في ترتيبه إلى ثلاثة أبواب، فيقدم المفتوح، ثم المضموم، ثم المكسور. ولا يعتبر الحرف الثاني وما
1 / 6
بعده، فيورد الألفاظ المبدوءة بالحرف الواحد مختلطة في غير نظام والتفسير لغوي يكاد يكون خالصًا، فالنزهة مختصرة، تقع في ٢٣٠ صفحة من القطع الصغير (مثل كتب الجيب) والألفاظ تفسر تفسيرًا سريعًا مختصرًا، لا ترد فيه أسماء اللغويين ولا المفسرين ولا الشواهد. وقد أعجب به الباحثون، واعتبروا مؤلفه " أجاد فيه" فنظمه مالك بن المرحل المالقي (٦٩٩هـ) وألف أبو العباس أحمد بن عبد الجليل التدميري (٥٥٥هـ) كتابًا في شرح شواهده.
وذكر ياقوت وابن خلكان أن كتاب القيسي - من أهل القرن الخامس – المسمى "مشكل غريب القرآن" كان في ثلاثة أجزاء، ومنذ سنوات أصدر يوسف عبد الرحمن المرعشلي كتابًا منسوبًا إلى القيسي باسم"العمدة في غريب القرآن"، مرتبًا على القرآن، ويقال إنه مختصر من كتاب مشكل الغريب، ولكن الدكتور أحمد فرحات يشك في نسبة الكتاب.
وبقى كتاب الراغب المسمى "المفردات في غريب القرآن" وطبع بالمطبعة الميمنية عام ١٣٢٤هـ ثم أعيد طبعه. وقد قدم الراغب بين يدي كتابه مقدمة طويلة، ذكر فيها بعض رسائله عن القرآن، وأهمية معرفة ألفاظه، وتعرض لمنهجه في كتابه، فقال: "وقد استخرت الله تعالى في إملاء كتاب مستوفى فيه مفردات ألفاظ القرآن على حروف التهجي فنقدم ما أوله الألف ثم الباء، على ترتيب حروف المعجم، معتبرًا فيه أوائل حروفه الأصلية دون الزوائد، والإشارة فيه إلى المناسبات التي بين الألفاظ المستعارات منها والمشتقات، حسبما يحتمل التوسع في هذا الكتاب. وإذن فقد حاول فيه الاستيفاء والتوسع، والترتيب بحسب الحروف الأصلية للألفاظ، بالتدرج من أولها إلى آخرها، وكان هذا الترتيب أيسر ترتيب وصل إليه العرب، وأعجبوا به كل إعجاب، ولكن اختل عند المؤلف بعض الأبنية، وهي الثنائي المقصور
1 / 7
"أب"، والمضاعف الثلاثي، والمهموز، والمعتل، فكان يقدم الثنائي المقصور في أول فصوله أيًا كان الأصل الثالث الذي يدعيه له الصرفيون. وحار في المضاعف الثلاثي، فقدمه على جميع المواد في أغلب الأحيان وأخره في بعضها على الجميع وتخلص من المهموز الحرف الثاني أو الثالث بوضعه مع المعتل ولم يراع في المعتل التفرقة بين الواوي واليائي.
أما علاجه للألفاظ، فكان لغويًا راعى فيه التفسير الواضح، والالتفات إلى بعض المشتقات ودوران اللفظ في الآيات المختلفة، والإتيان بالشواهد من الحديث والشعر، والتزم إيراد ما يؤخذ من اللفظ من مجاز وتشبيه. ولو يورد في أقواله أسماء لغويين ولا مفسرين إلا نادرًا على الرغم من إطالته في الشرح وقد أصبح هذا الكتاب علمًا بارزًا في هذا الفرع من العلوم، بفضل ترتيبه وعلاجه الاستعمال المجازي، ومحاولته تتبع دوران اللفظ في القرآن. وإنه الجدير بمكانته هذه، فهو الرائد الذي لم يجد من يسير خلفه، ويكمل عمله، فكتابه أشبه ما يكون بمعجم كامل للألفاظ القرآنية.
وذكر حاجي خليفة كتاب محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي فقال: "ذكر فيه أن طلبة العلم وحملة القرآن سألوه أن يجمع لهم تفسير غريب القرآن فأجاب، ورتبه ترتيب الجوهري، ضم فيه متنًا من الإعراب والمعاني، وفرغ من تعليقه في سنة ٦٦٨ (١) ".
وتقتني دار الكتب المصرية نسخة مخطوطة من كتاب ابن الشحنة محمد ابن محمد (١٦٨ تفسير) ولكنها ناقصة من أولها. وهو أقرب إلى كتب التفسير منه إلى كتب اللغة، بخلاف الكتب السابقة، فالمؤلف يعنى بأقوال
_________
(١) كشف الظنون ٤/٣٣١
1 / 8
المفسرين واختلافاتهم، ولذلك تظهر أسماؤهم بكثرة عنده. أما أسماء اللغويين وأصحاب الغريب فقليلة نادرة والعلاج مختصر ترد فيه شواهد شعرية. وقد سار المؤلف في ترتيبه بحسب ترتيب السور في المصحف.
وقال حاجي خليفة عن ابن السمين الحلبي: "لابن السمين الحلبي أيضًا مفردات القرآن، وهو أحسن الكتب المؤلفة في هذا الشأن" وبقى من كتب القرن الثامن كتابا المارديني وأبي حيان، أما الأول فقد فرغ من تأليف كتابه، المسمى "بهجة الأريب في بيان ما في كتاب الله من الغريب" في صبيحة يوم الجمعة الرابع والعشرين من ربيع الأول عام ٧٣٦، كما نرى في المخطوط المحفوظة بدار الكتب المصرية تحت رقم ٥٤٩ تفسير. ووضح المؤلف غرضه ومنهجه ومراجعه في المقدمة في قوله: "جمعت في غريب القرآن كتابًا غريبًا مسلكه، قريبًا مدركه، صغيرًا حجمه، غزيرًا علمه، يبهج الخاطر، ويروق الناظر ألفته من غريب أبي بكر العزيزي (السجستاني) وأبي محمد بن قتيبة وأبي عبيد الهروي وتفسير جار الله الزمخشري - ورأيت ترتيبه على السور مقللًا لألفاظه، ومسهلًا على حفاظه" إذن فقد كان يرمي إلى الاختصار والإحاطة والترتيب على السور وقد كان كتابه كذلك، أهم ظواهره الإيجاز، وغلة الناحية اللغوية عليه أكثر من التفسير، وقلة الاستشهاد، وندرة أسماء المفسرين، والكتاب في ٤٩ ورقة من الحجم الكبير.
وأما كتاب أبي حيان المسمى "تحفة الأريب، بما في القرآن من الغريب" فقد أشرف على طبعه في عام ١٩٣٦ محمد سعيد بن مصطفى الوردي النعساني، وذيل عليه في هوامشه بما في الألفاظ التي ذكرها من قراءات وبما أغفله المصنف من غريب وقد لجأ المؤلف إلى ترتيبه وفقًا لنظام غريب يأخذ
1 / 9
من نظام الجوهري في المعاجم بعض الشيء فقد رتب الألفاظ وفقًا لحروفها الأول فالأخير، ثم لم يراع ترتيب الحشو، وأتى به هملًا ففي حرف الخاء مثلا نجد الألفاظ على النحو التالي خسأ، خبأ، ثم خطب ثم خبت، ثم خرج، ثم خلد، خدد، خمد، خضد ... الخ، ولم يدخل في اعتباره سوى الحروف الأصلية وحدها. أما العلاج فغاية في الاختصار ومقصور على الشرح اللغوي السريع للفظ، ولا يبين فيه الآية التي ورد فيها، ولا أثر فيه لأسماء لغويين ولا مفسرين ولا شواهد ولا ما إلى ذلك. وقد يسر ذلك لطابعه أن يضعه في جداول، صف منها للفظ، والثاني للشرح. فشغل ١٣٨ صفحة من القطع الصغير (كتب الجيب) لا خطر لها.
ولما رأى الشيخ قاسم الحنفي ذلك الترتيب، أحب أن يهذبه لييسره، وأن يزيد عليه بعض ألفاظ قليلة، فألف كتابه "مختصر كتاب التحفة في غريب القرآن" وتقتني دار الكتب المصرية نسخة مخطوطة منه (٢٣٤تفسير)، وقد بين في مقدمته القصيرة ما دعاه إلى اختصاره فقال: لما رأيت كتاب التحفة في غريب القرآن عقدًا تناثرت درره، أحببت أن أنظمه في أقرب سلك، وهو الحرف الأول والثاني من الحروف الأصلية مميزًا ما زدت بقلة. ولم يغير الحنفي شيئًا من عبارة أبي حيان، فيما عدا الترتيب، والقليل الذي زاده.
وأما زين الدين العراقي فقد التزم في "ألفيته"أن يرتب ألفاظها لحروفها الأصول بالتدرج من أولها إلى آخرها، وأن يذكر الألفاظ بصورتها التي هي عليها في القرآن ما أمكنه ذلك. وكان يقتصر على ذكر الكلمة وشروحها بكل اختصار، ويخيل إلى أنه استقى شرحه من تحفة أبي حيان.
وقد نثر هذه الألفية مصطفى بن حنفي بن حسن الذهبي المصري (١٢٨٠هـ) في رسالة "تفسير غريب القرآن العظيم" التي أتمها في غرة ربيع
1 / 10
الأول سنة ١٢٧١هـ وطبعت في مطبعة السيد محمد شعراوي في ٢٩ صفحة. وسار فيها على ترتيب الألفية، غير أنه اختصرها فحذف بعض ما أوردت من ألفاظه، وبعض ما قالت في التفسيرات - ولا قيمة تذكر لهذه الرسالة.
وأما ابن الهائم المصري فاعتمد صراحة على كتاب محمد بن عزيز السجستاني، ولكنه هذبه ورتبه واختصره قليلا وزاد عليه، قال في مقدمته: "من أنفس ما صنف في تفسير غريب القرآن مصنف الإمام أبي بكر محمد بن عزيز المنسوب إلى سجستان، إلا أنه يحوج المستغرب لكلمات سورة إلى كشف حروف وأوراق كثيرة، لاسيما في السور الطوال. فرأيت أن أجمع ما تفرق من غريب كل سورة فيما هو كالمفصل، مع زيادة أشياء في بعض المواضع على الأصل، لتسهل مطالعته وتتم فائدته، فشرعت فيه متوخيًا للتسهيل، مجتنبًا للإكثار والتطويل. حريصًا على أن آتي بعبارته في الأكثر، وألا أخل منه بشيء إلا ما تكرر. والمزيد [أي الذي زاده هو] وإن ارتبط بالأصل في العبارة، فكيفيه للتمييز بينهما زاي ودارة. وهذا الكتاب قريب الشبه بكتاب المارديني في ترتيبهما وفقًا للسور واختصارهما، وقلة تعرضهما للشواهد وإيرادها لأسماء المفسرين واللغويين، وغلبة الناحية اللغوية ولكنه يختلف عنه في ظهور الزاي والدارة إشارة إلى زياداته عما في كتاب العزيز، وفي كونه أقل اختصارًا من سابقه، حتى رفع في ٧٦ ورقة من الحجم الكبير، وفي ميله إلى إيراد أكثر معاني اللفظ الذي يفسره، سواء ارتبطت هذه المعاني بالآية التي وقع فيها اللفظ أو لم ترتبط.
وفي العصر الحديث أصدر المحامي أبو رزق عبد الرؤوف المصري "معجم القرآن" في مجلدين: وهو أقرب إلى دوائر المعارف الصغيرة، مرتب على الألفباء، ويشتمل على اللغة والاجتماع والفلسفة، والأديان والأعلام.
1 / 11
ومثاله: آزر: تارح بن ناحور، وآزر لقبه حيث كان من طرائق قومه وآزر لفظ قديم معناه النار، وأطلقه قدماء الفرس والكدانيون والآشوريون على كوكب المريخ لظنهم أنه من نار. ثم عبدوه في صورة عمود، وصاروا يلقبون الأشخاص منهم بلفظ ﴿آزَرَ﴾ بتركابه وقد جاء كثيرًا في كتابات البابليين أيضًا. وعليه فإن آزر هو اللقب الوثني لتارح أبي إبراهيم ويوافق على ذلك ما ورد في تفسير البيضاوي وغيره من أن آزر اسم للإله الذي كان يعبد، وفي تاج العروس أن آزر اسم صنم كانت تعبده العرب. (الأنعام: ٧٤) .
آزره: أعانه من المؤازرة وهي المظاهرة والمعاونة. وأصله من شد الإزار وتمكينه. ومنه أخذ فعل أزر. والأزر في ﴿بِهِ أَزْرِي﴾ هو العون، أي عوني وظهري (طه: ٣١) .
استخرج محمد فؤاد عبد الباقي "معجم غريب القرآن" من صحيح البخاري ورتبه على الألفباء.
وفي سنة ١٩٥٣م أصدر مجمع اللغة العربية بمصر "معجم ألفاظ القرآن الكريم" الذي كان يشرح شرحًا لغويًا أولًا، فإن كانت فعلًا ذكر بابه ومصدره ومشتقاته إن كان لها ورود في القرآن، وإن كانت اسمًا اكتفى بمعانيها، ويبين مرات ورودها في القرآن بكل معنى، ورتب كل ذلك ألفبائيًا.
إ ب ر ى ق
(أباريق)
أباريق جمع إبريق: وهو إناء له خرطوم وقد تكون له عروة.
1 / 12
أباريق: ﴿يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ﴾ . (الواقعة: ١٧،١٨) .
أب ق
(أبق)
أبق العبد كسمع وضرب ونصر أبقًا وإباقًا: هرب من مالكه.
أبق: ﴿إذ أبق إلى الفلك المشحون﴾ (الصافات: ١٤٠) . غضب يونس ﵇ من قومه ففر منهم قبل أن يأذن الله له وركب السفينة فسمى فراره هذا إباقا على سبيل المجاز.
وأصدر حسنين محمد مخلوف "كلمات القرآن: تفسير وبيان"مرتبًا ترتيب الآيات في السور. ووضع يمين كل كلمة رقم آياتها، وعن يسارها تفسيرها، في إيجاز، ليكون خفيف المحمل، سهل المأخذ ومثاله:
الآية
...
الكلمة
...
التفسير
(١) سورة الفاتحة – مكية (آياتها٧)
٢
...
رَبِّ الْعَالَمِينَ
...
مربيهم ومالكهم ومدبر أمورهم
٤
...
يَوْمِ الدِّينِ
...
يوم الجزاء
٦
...
اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ
...
وفقنا للثبات على الطريق الواضح الذي لا اعوجاج فيه، وهو الإسلام.
ورتب محمد إسماعيل إبراهيم "معجم الألفاظ والأعلام القرآنية" ألفبائيًا، وبين فيه عدد مرات ورود كل لفظ ومواضعه في الآيات والسور.
1 / 13
وأصدر محمد الصادق عرجون "قاموس غريب القرآن" مرتبًا حسب ترتيب السور، وأتى فيه بالتفسير مجردًا. ومثاله:
الرحمن الرحيم: الرحمن: المنعم بجلائل النعيم، ولا يوصف به غيره ﷿.
الرحيم: المنعم بدقائقها، والرحمن أبلغ من الرحيم.
مالك يوم الدين: أي مالك يوم الجزاء، أي لا مالك لأحد في هذا اليوم إلا الله الواحد القهار.
إياك نعبد وإياك نستعين: نخصك بالعبادة، ونخصك بطلب المعونة. والعبادة أقصى غاية الخضوع والتذلل.
ونشر علي حلمي موسى مقالًا بعنوان "استخدام الآلات الحاسبة الإلكترونية في دراسة ألفاظ القرآن".
كان الهدف في أول الأمر من استخدام الحاسب الإلكتروني في دراسة ألفاظ القرآن الكريم هو إحصاء ألفاظ القرآن الكريم ثم تطور هذا الهدف إلى عدة أهداف مع تقدم البحث، كما يلي:
(١) - التوصل إلى بيان بجميع الألفاظ الواردة بالقرآن وعدد مرات ورود كل منها.
(٢) - إيجاد عدد الألفاظ التي تبدأ بكل حرف من الحروف العربية.
(٣) - إيجاد عدد ألفاظ كل سورة ومتوسط طول الآية في كل سورة.
(٤) - تحديد جذور الألفاظ الثلاثية (المكونة من ثلاثة أحرف) وترتيبها تنازليًا على حسب عدد مرات ورودها.
1 / 14
(٥) - أنواع الجذور الثلاثية الواردة بالقرآن ومقارنتها بجذور معجم الصحاح.
(٦) - إيجاد الجذور الثلاثية التي وردت مرة واحدة فقط بالقرآن.
(٧) - عدد مرات ورود الجذر "إله" وهو جذر لفظ الجلالة "الله" وذلك في كل سورة من سور القرآن.
وكان مما تناول:
عدد ألفاظ القرآن الكريم.
الكلمات الثنائية والأحادية.
مقارنة بين الألفاظ الثلاثية وغيرها.
أسماء الأعلام في القرآن الكريم.
اختلاف السور في أطوال آياتها.
مقارنة بين الجذور الثلاثية في القرآن والجذور الثلاثية في المعاجم العربية.
الجذور الثلاثية المتعددة الورود بالقرآن الكريم.
العلاقة بين الحروف والحركات في القرآن الكريم.
ونشر عبد المجيد شوقي البكري دراسة بعنوان "الكلمات القرآنية في اللغة الإنجليزية" أورد فيها (٣٥٢) كلمة ومقابلها باللغة الإنجليزية، وبعض الكلمات ليست قرآنية وأمثل لدراسته بقوله:
بدن
...
Body
عين
...
Eye
أنا
...
I
1 / 15
He
إذا
...
If
ذاك
...
That
وصفوة القول في هذه الحركة: أنها الحركة العلمية الأولى في الإسلام، بدأت في عصر مبكر لا يعدو النصف الأول من القرن الأول للهجرة، ودونت بعد هذا التاريخ بقليل، وسارت في طريقين للانتظام: الترتيب وفقًا للسور في المصحف، وهو أقدمها، والترتيب الألفبائي. واستمرا في الوجود في حياة الحركة كلها. وكانت الألفاظ ترتب في داخل هذه السور بحسب ورودها في الآيات أيضًا. أما الترتيب الألفبائي، فابتدأ معقدًا عند السجستاني في القرن الرابع من جهة، ومبسطًا من جهة أخرى، معقدًا من حيث فصله بين المفتوح والمضموم والمكسور، ومبسطًا من حيث إدخاله الحروف الأصلية والمزيدة في اعتباره وكان من آثار هذا التعقيد أن لم يتبعه أحد من المؤلفين غير صاحبه، وأن الذين اعتمدوا على كتابه غيروا هذا الترتيب إلى الترتيب بحسب السور، مثل المارديني وابن الهائم. ولكن هذا الترتيب ارتقى سريعًا، فتخلص من كل تعقيداته وقيوده، ووصل إلى قمة الانتظام في القرن الخامس، على يد الراغب الأصفهاني، الذي اعتبر الحروف الأصلية وحدها ونظر إلى الألفاظ من أولها إلى آخرها، وقد غفل عن بعض آثار الضعف المتخلفة في ترتيبه في الثنائي والمضاعف والمعتل المهموز، ولكنها لا تشوه عمله لقلتها. ولم يرض من جاء بعد الراغب عن الحياة معه بين القمم، فعدل الرازي في القرن السابع عن ترتيبه، واصطنع ترتيب الجوهري، وجمع أبو حيان بين ترتيبي الراغب والجوهري، وأسقط الحشو، فكان ترتيبه غاية في التعقيد، ثم رجع العراقي في القرن التاسع إلى ترتيب الراغب.
1 / 16
ووجدت في علاج الألفاظ نفسها مذاهب، فكان من المؤلفين من جمع كتابه من كل شيء، مثل ابن قتيبة، ومنهم من مال إلى الاختصار مثل المتأخرين ولاسيما أبو حيان، ومنهم من كان يأخذ من المفسرين، كابن قتيبة وابن الشحنة، ومنهم من غلبت عليه النظرة اللغوية كسائرهم، فاختفت من كتبهم أسماء مجاهد وعكرمة والحسن وغيرهم. واعتمد القدماء على الشعر في الاستشهاد منذ أولهم أبان البكري، ثم اعتمد ابن قتيبة على الحديث أيضًا، وانتقل ذلك منهم إلى غيرهما. وحاول بعضهم أن يتبع دوران الألفاظ في السور المختلفة. فظهر ذلك بصورة أولية بادئة عند السجستاني، واشتد إلى درجة لا بأس بها عند الراغب وانتظم عند المحدثين واختلف عنهم الرغب في عنايته بالصور المجازية المستمدة من الألفاظ القرآنية ويدل هذا على أن الراغب هو القمة التي وصلت إليها حركة التأليف في غريب القرآن، في الترتيب والعلاج.
1 / 17
المراجع
ابن الأنباري: نزهة الألباء في طبقات الأدباء – دار نهضة مصر – د. ت.
أبو الطيب اللغوي: مراتب النحويين – مطبعة نهضة مصر – د. ت.
بروكلمن: تاريخ الأدب العربي – الأصل.
سزكين: تاريخ التراث العربي – طبع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
السيوطي: الإتقان في علوم القرآن – مصر – دار التراث – د. ت.
عائشة عبد الرحمن: الإعجاز البياني للقرآن.
القفطي: إنباه الرواة على أنباه النحاة – دار الكتب المصرية – ١٣٦٩/١٩٥٠.
ياقوت: معجم الأدباء – طبع أحمد فريد رفاعي.
1 / 18
الدراسات في غريب القرآن
الآلوسي، محمود شكري بن عبد الله (١٢٧٣-١٣٤٢/١٨٥٧-١٩٢٤): كلم القرآن، مصر – مطبعة المنار – ١٣٢١و١٣٢٢.
إبراهيم محمد إسماعيل: معجم الألفاظ والأعلام القرآنية – ١٩٦٩م.
ابن أبي طالب القيسي، أبو محمد مكي بن حموش (٣٥٥-٤٣٧/٩٦٦-١٠٤٥): مشكل غريب القرآن. العمدة في غريب القرآن – طبع يوسف عبد الرحمن المرعشلي.
ابن أبي العافية الزناتي، أحمد بن محمد (٩٦٠-١٠٢٥/١٥٥٣-١٦١٦): التيسير العجيب في تفسير الغريب.
ابن التركماني، علاء الدين علي بن عثمان المارديني الحنفي (٦٨٣-٧٥٠/١٢٨٤-١٣٤٩): بهجة الأريب في بيان ما في كتاب الله من الغريب – مخطوط بدار الكتب المصرية تحت رقم ٥٤٩ تفسير.
ابن الجوزي، عبد الرحمن بن علي (٥٠٨-٥٦٨/١١١٤-١٢٠١): الأريب بما في القرآن من الغريب.
ابن دريد، محمد بن الحسن (٢٢٣-٣٢١/٨٣٨-٩٣٣): غريب القرآن – لم يتم.
ابن السمين، أبو المعالي أحمد بن علي البغدادي (٥٩٦/١٢٠٠): مفردات القرآن.
1 / 19
ابن شجرة، أحمد بن كامل بن خلف (٢٦٠-٣٥٠/٨٧٤-٩٦١): غريب القرآن.
ابن الشحنة، أبو البركات عبد البر بن محمد الحلبي (٨٥١-٩٢١/١٤٤٨-١٥١٥) .
ابن الشحنة، أبو الوليد محمد بن محمد (٧٤٩-٨١٥/١٣٥٠-١٤١٢): تفسير غريب القرآن العظيم: منه مخطوط بدار الكتب المصرية تحت رقم ١٦٨ تفسير.
ابن عباس، عبد الله (٣ق. هـ –٦٨/٦١٩-٦٨٧) .
ابن قادم، محمد بن عبد الله الكوفي (٢٥١/٨٦٥) .
ابن قتيبة، عبد الله بن مسلم (٢١٣-٢٧٦/٨٢٨-٨٨٩): تفسير غريب القرآن - حققه السيد أحمد صقر، وطبعته دار إحياء الكتب العربية بالقاهرة ١٩٥٨م.
ابن المرحل، أبو الحكم مالك بن عبد الرحمن (٦٠٤-٦٩٩/١٢٠٧-١٣٠٠): نظم كتاب محمد بن عزيز السجستاني.
ابن مطرف، محمد بن أحمد الكناني الأندلسي (٣٨٧-٤٥٤/٩٩٧-١٠٦٢) .
ابن الهائم، أحمد بن محمد المصري (٧٥٣-٨١٥/١٣٥٢-١٤١٢) .
ابن وليد، إسحاق بن سلمة القيني الأندلسي (٣٦٨/٩٧٨) .
ابن اليزيدي، أبو عبد الرحمن عبد الله بن محمد العدوي (تلميذ الفراء): غريب القرآن.
أبو جعفر القارئ، يزيد بن القعفاع (١٣٢/٧٥٠) .
1 / 20