على رأيه كان خوفا من دروس (١) العلم وذهاب أهله، وأن يدخل في سنة رسول الله ﷺ ما ليس منها، وهو ما تنبه له الزهري من تلك الأحاديث الآتية من قبل المشرق، ونجزم أن بداية جدية التفكير في تدوين السنة وتصنيف علومها كانت في عهد التابعين من أيام الزهري وأقرانه، لكنها بالنسبة لقواعد علوم الحديث لم تتجاوز نقل أقوال مبثوثة (٢)، أثرت عن الأصحاب والأئمة من التابعين، وهي لا تمثل مادة علمية كاملة لقواعد مصطلح الحديث، سوى أنها فتحت الباب على مصراعيه للبحث والنظر في هذا الموضوع الخطير.
٣ - مرحلة التصنيف في بعض فوائد علوم الحديث:
هذه المرحلة تقدر بما يقارب (١٥٠) سنة من بداية القرن الثالث إلى منتصف الرابع تميزت هذه الفترة عن سابقتها بإبراز بعض قواعد علوم الحديث في مصنفات مستقلة، مثل كتاب العلل لابن المديني، ومعظم المادة العلمية في هذه المرحلة إما قواعد مستقلة في كتب متفرقة، كما في الرسالة والأم للإمام الشافعي، أو مبثوثة في مصنفات الحديث على اختلاف طرائقها في التصنيف، كما في مصنفات الإمام البخاري، ومقدمة صحيح مسلم، وما كتبه الترمذي من العلل، وما نقل عن الإمام أحمد، وعن أبي داود وغيرهم، يقول الإمام مسلم رحمة الله علينا وعليه: وإنما ألزموا أنفسهم الكشف عن معايب رواة الحديث وناقلي الأخبار، وأفتوا بذلك حين سئلوا،
_________
(١) أي يضيع ويمحى. انظر (لسان العرب ٦/ ٧٩) ..
(٢) انظر (صحيح البخاري ص ٢٧) كتاب العلم، باب (٣٤).
1 / 10