273

الرزق ، وتكثر المال ، وتعمر الدار. وأما التي في الآخرة فتستر العورة ، وتصير ظلا فوق الرأس ، وتكون سترا من النار». وفي هذا الخطاب مع اليهود دلالة على أن الكفار مخاطبون بفروع الشرائع.

وفي قوله ( واركعوا مع الراكعين ) وجوه : أحدها أن اليهود لا ركوع في صلاتهم ، فخص الركوع بالذكر تحريضا لهم على الإتيان بصلاة المسلمين. وثانيها صلوا مع المصلين فلا تكرار لأن الأول أمر بإقامتها ، والثاني أمر بالجماعة. وثالثها الركوع والخضوع لغة سواء ، فيكون نهيا عن الاستكبار المذموم وأمرا بالتذلل للمؤمنين ، ثم إنه سبحانه لما أمرهم بالإيمان والشرائع بناء على ما خصهم به من النعم رغبهم في ذلك بناء على مأخذ آخر ، وهو أن التغافل عن أعمال البر مع حث الناس عليها مستقبح في العقول. والهمزة في ( أتأمرون ) للتقرير مع التقريع ، والتعجيب من حالهم. والبر اسم جامع لأعمال الخير ، ومنه بر الوالدين وهو طاعتهما وعمل مبرور مرضي. واختلف في البر هاهنا. قال السدي : إنهم كانوا يأمرون الناس بطاعة الله ثم يتركونها وينهونهم عن معصية الله ويرتكبونها. وقال ابن جريج. تأمرون الناس بالصلاة والزكاة وتتركونهما. أبو مسلم : كانوا قبل مبعث النبي يخبرون مشركي العرب أن رسولا سيظهر منكم ويدعو إلى الحق ويرغبونهم في اتباعه ، فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم حسدوه وأعرضوا عن دينه. الزجاج : يأمرون الناس بالصدقة ويشحون بها. وقيل : يأمرون من نصحوه في السر من أقاربهم وغيرهم باتباع محمد صلى الله عليه وسلم ولا يتبعونه. وقيل : يأمرون غيرهم باتباع التوراة وهم يخالفونها لأنهم وجدوا فيها ما يدل على صدق محمد صلى الله عليه وسلم ثم ما آمنوا به. وقيل : لعل المنافقين من اليهود كانوا يأمرون باتباعه في الظاهر وينكرونه صلى الله عليه وسلم في الباطن ، فوبخهم الله على ذلك. والنسيان هو السهو الحادث بعد حصول العلم ، والناسي غير مكلف فكيف يتوجه الذم على ما صدر عنه؟ فإذن المراد وتغفلون عن حق أنفسكم وتعدلون عما لها فيه من النفع ( وأنتم تتلون الكتاب ) أي التوراة وتدرسونها وتعلمون ما فيها من أعمال البر ومن نعت محمد صلى الله عليه وسلم ومن الوعيد على ترك البر ومخالفة القول العمل ( أفلا تعقلون )؟ وهو تعجيب للعقلاء من أفعالهم. وكثيرا ما يحذف الفعل بعد همزة الاستفهام للعلم به والتقدير : أفعلتم ذلك فلا تعقلون. وقس على هذا نظائره في القرآن فإنها كثيرة. وللتعجيب وجوه : منها أن المقصود من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إرشاد الغير إلى المصالح وتحذيره عن المفاسد ، وإرشاد النفس إليها وتحذيرها منها أهم بشواهد العقل والنقل ، فمن وعظ ولم يتعظ فكأنه أتى بما لا يقبله العقل الصحيح. ومنها

مخ ۲۷۵