غرائب القرآن او رغائب الفرقان
غرائب القرآن و رغائب الفرقان
يجترءوا على الجواب. ثم إن الذين اعتقدوا معصية الملائكة في قولهم ( أتجعل ) قالوا : إنهم لما عرفوا خطأهم تابوا واعتذروا بقولهم ( سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا ) والذين أنكروا معصيتهم قالوا : إنهم قالوا ذلك على وجه الاعتراف بالعجز والتسليم كأنهم قالوا : لا نعلم إلا ما علمتنا ، فإذا لم تعلمنا ذلك فكيف نعلمه؟ أو أنهم إنما قالوا ( أتجعل فيها من يفسد فيها ) [البقرة : 30] لأن الله تعالى أعلمهم ذلك. فكأنهم قالوا : إنك علمتنا أنهم يفسدون في الأرض فقلنا لك : أتجعل. وأما هذه الأسماء فإنك ما علمتنا فكيف نعلمها؟ ومعنى سبحانك نسبحك تسبيحا أي ننزهك تنزيها وهو مصدر غير متصرف أي لا يستعمل إلا محذوف الفعل منصوبا على المصدرية ، فإذا استعمل غير مضاف كان «سبحان» علما للتسبيح ، فإن العلمية كما تجري في الأعيان تجري في المعاني. قالت المعتزلة هاهنا : المراد أنه لا علم لنا إلا من جهتك إما بالتعليم وإما بنصب الأدلة. وقالت الأشاعرة : بل الجميع بالتعليم لأن المؤثر في وجود العلم ليس هو ذات الدليل بل النظر في الدليل ، وأنه يستند إلى توفيق الله تعالى وتسهيله. ثم احتج أهل الإسلام بالآية ، أنه لا سبيل إلى معرفة المغيبات إلا بتعليم الله ، وأنه لا يمكن التوصل إليها بعلم النجوم والكهانة. وللمنجم أن يقول للمعتزلي : إذا فسرت التعليم بوضع الدليل فعندي حركات النجوم دلائل خلقها الله تعالى على أحوال هذا العالم ، فيكون من جملة ما علمه الله تعالى أنك أنت العليم بكل المعلومات ، فأمكنك تعليم آدم الحكيم في هذا الفعل المصيب فيه. وعن ابن عباس : أن مراد الملائكة من الحكيم أنه هو الذي حكم بجعل آدم خليفة في الأرض. وقوله ( ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض ) استحضار لقوله تعالى لهم ( إني أعلم ما لا تعلمون ) إلا أنه تعالى جاء به على وجه أبسط وأشرح ، فيندرج فيه علمه بأحوال آدم قبل أن خلقه. وفيه دليل على أنه تعالى يعلم الأشياء قبل حدوثها ، فيبطل مذهب هشام ابن الحكم أنه لا يعلم الأشياء إلا عند وقوعها. وقد روى الشعبي عن ابن عباس وابن مسعود أنه يريد بقوله ( ما تبدون ) قولهم ( أتجعل فيها من يفسد فيها ) وبقوله ( وما كنتم تكتمون ) ما أسر إبليس في نفسه من الكفر والكبر وأن لا يسجد. وقيل : لما خلق آدم رأت الملائكة خلقا عجيبا فقالوا : ليكن ما شاء فلن يخلق ربنا خلقا إلا كنا أكرم عليه منه ، فهذا هو الذي كتموه. ويجوز أن يكون هذا القول منهم سرا أسروه بينهم فأبداه بعضهم لبعض وأسروه عن غيرهم ، فكان في هذا الفعل الواحد إبداء وكتمان. والظاهر أنه عام كقوله ( إنه يعلم الجهر من القول ويعلم ما تكتمون ) [الأنبياء : 11] ( إنه يعلم الجهر وما يخفى ) [الأعلى : 7].
** البحث الثاني :
مخ ۲۲۳