غرائب المکتوبجي

سليم سرکیس d. 1344 AH
40

غرائب المکتوبجي

غرائب المكتوبجي

ژانرونه

فقال: ما معنى تذكري، وإلى من يرجع الضمير؟ قلت: إن الشاعر أراد عروس الشعر وهو يذكرها بزياراته، فحذف العبارة قائلا: «هذه مغموظات» أي أشياء غامضة لا يفهمها، فصبرت وقرأت له ترجمة البيت الثاني وهو: «إذا أظلم النهار وجاء الليل بهواجسه فتذكري»، وما انتهيت من لفظ كلمة «هواجس» حتى نهض عن كرسيه مذعورا وصاح بي: «هواجس يوقتور يوقتور هواجس!» أي إنه لا يمكن نشر كلمة هواجس، وما لبث أن حذف المقالة بأسرها وأبى أن أتمم له القراءة، فخرجت وأنا ألعن ساعة وجد فيها والدي وأجدادي في تركيا، وسرت إلى والي الولاية، وكان يومئذ خالد بك أفندي المنفي اليوم في قيصرية، وهو يعرف الفرنساوية والعربية، وعرضت الأمر عليه فضحك كثيرا وقال: أما الأصل الفرنساوي فلا أقدر أن أعارض المكتوبجي فيه، ولكن لا بأس من نشر العربي. ثم استدعى حضرة «اللوذعي» ميشال أفندي إده ترجمان الولاية وأوعز إليه أن يخبر المكتوبجي أنه لا بأس من نشر الترجمة. فدخل إده أفندي على المكتوبجي ثم عاد فقال لي: الأوفق أن تضرب صفحا عن نشر هذه القصيدة؛ لأن المكتوبجي معارض، وهو إذا خضع لأمر الوالي هذه المرة وسمح لك بنشرها فإنه ينتقم منك بحذف عدة أمور غيرها في الأيام الآتية. فرأيت من الحكمة أن أتبع مشورته، وهكذا حذفت المقالة، وكان لمسألة الهواجس رنة في بيروت ونشرتها جرائد أوروبا، وكشف النقاب في باريز والدايلي كرافيك في لندره مع صورة هزلية تمثل المكتوبجي وأنا أمامه وهو يرتجف وأمامه «لسان الحال» عليه كلمة هواجس. (48) جنود فرنسا

ترجمت ذات يوم من الجرائد أن صحة الجنود الفرنساوية في الداهومي ليست على ما يرام، فحذف المكتوبجي ذلك وأمرني أن أذكر أن صحة الجنود حسنة. (49) مقالات النساء

نشر «لسان الحال» بعض مقالات من أقلام السيدات، ففي ذات يوم جاء المكتوبجي إلى الإدارة وسألني إذا كانت الكتابة المذكورة من النساء حقيقة، فأجبته بالإيجاب، قال: من الآن فصاعدا لا تنشر مقالاتهن؛ لأن ذلك يفتح عقولهن أكثر من اللازم وليس من شأن المرأة أن تهتم بهذه الأمور. (50) القرآن والحديث

لا يسمح المكتوبجي للجرائد والكتب أن تورد آية قرآنية ولا الأحاديث؛ زعما منه أن الكتب والجرائد تطرح على الأرض وتمزق وفي ذلك من الإهانة ما فيه. (51) باشا، باشه

نشرت جريدة الأحوال خبر قدوم عزتلو إلياس بك الباشا من زحلة إلى بيروت، فغير لقبه من باشا إلى باشه لئلا يظن أنه نائل رتبة باشا. (52) مالك هنا ياتوما

قرأ المكتوبجي رسالة فيها: «مالك هنا ياتوما» فظن أن المقصود من «مالك» «ملك»، فحذفها واستبدلها بلفظة «كونت» فجاءت العبارة هكذا: «كونت هنا يا توما». (53) خليفة بطرس

نشرت مجلة الكنيسة الكاثوليكية رسالة ورد فيها ذكر قداسة البابا ولقبه الكاتب بلقب «خليفة بطرس»، فصدر الأمر بإلغاء الجريدة فألغيت. (54) مدارس، مكتب

يكره المكتوبجي ورود لفظة مدرسة ويستبدلها دائما بلفظة مكتب، لسبب أجهله، فحدث يوما أن جريدة كتبت مقالة عن الهند وقالت فيها: وصل السائح الفلاني إلى مدراس، فظن سعادته أن المقصود بمدراس (وهي مدينة) مدرسة، فاستبدلها بلفظة مكتب.

خاتمة

هذا قليل من كثير من براهين جهل المكتوبجي؛ أوردتها للقاري عسى أن يدرك مقدار العذاب العظيم الذي يقاسيه أصحاب الجرائد في تركيا وخصوصا في سوريا.

ناپیژندل شوی مخ