ولكن يجب ألا نتهم غاندي بأنه يتعامى عن فائدة الآلات، وأولى من ذلك أن نقول إنه يريد أن يجعل الوطنية الهندية وطنية اقتصادية، لأنه يعرف أن أساس الاستعمار هو الاستثمار. ولكنه يرى أن شراء الآلات الكبيرة التي تقوم بالغزل يحتاج إلى رءوس ضخمة من الأموال لا قبل للهنود بجمعها في فاقتهم الحاضرة، ولذلك هو لا يبالي زيادة الجهد في سبيل نهضة صناعية تعتمد في المستقبل على صناعة الآلات الكبيرة.
فإذا كان هذا التفسير يتفق وأغراضه فليس هناك شك في أنه اختار أحكم السبل للوصول إلى غايته، وذلك لأن أرخص شيء في الهند هو العامل الهندي، إذ هو أفقر عامل في العالم. ولكن إذا صدق هذا التفسير انتهينا منه إلى أن غاندي يعمل لتحقيق المدنية الغربية في الهند، أي مدنية الآلات، وأنه يخدم مبادئ فورد.
والواقع أننا نجد من غاندي إيماء أو تلميحا يدل على أنه لا يعارض في وجود الآلات، ولكنه لا يحب في الوقت نفسه أن يضعف الحماسة للمغزل، إذ هو يذكر من آن لآخر أن الهند في «طور انتقال» وكأنه يضمر في هاتين الكلمتين أن الهند ستعبر بالمغزل إلى عصر الآلات والصناعات الكبيرة.
ونحن في مصر الآن في مثل هذا الطور نرى أنه يجب أن ينهض كفاحنا السياسي للاستقلال على أساس اقتصادي. فنحن نشجع الصناعات المصرية اليدوية ونشعر لفقرنا بأننا عاجزون عن تأسيس المصانع الكبيرة التي تنتج إنتاجا عظيما، ولكن مع ذلك ننشد ذلك اليوم الذي نستطيع فيه أن يكون كل إنتاجنا بالآلات وليس بالأيدي.
وإذن يجب أن نحب غاندي ونمجد أساليبه في فترة الانتقال هذه وفي تحقيق الاستقلال السياسي، ولكن يجب أن نذكر مع ذلك أننا لن نكون أمة قوية تعد من أمم القرن العشرين المتمدنة حتى نجعل فورد غايتنا في الاعتماد على الآلات.
وبعبارة أخرى يجب على الهند أن تنقلب كما انقلبت اليابان فتنسى ماضيها وتقاليدها، ولكن غاندي يرى أنها يجب ألا تنسى هذا الماضي، أو هذه التقاليد، قبل أن تحقق استقلالها وتخرج الإنجليز من بلادها. وهو مصيب في رأيه.
الفصل التاسع عشر
ما لم يعرف عن غاندي
أكثر المعروف عن غاندي يتعلق بجهاده السياسي والأساليب التي اتبعها في هذا الجهاد، ولكن هناك أشياء أخرى في حياة هذا العظيم تستحق الالتفات، سواء منها ما يتصل بحياته الخاصة أو حياته العامة.
وأول صفات غاندي هو النسك، فإنه لا يأكل سوى القليل من البلح والجوز والرز والليمون ولبن المعز وزيت الزيتون، ولا يتناول غير وجبتين في اليوم، الأولى في الصباح والثانية عند الغروب. وهو لا يعرف الخمر أو الشاي أو القهوة. وفراشه حرام من الصوف يفرشه على الأرض ووسادته كتابان أو ثلاثة كان يطالعها سالف نهاره. فإذا كان الصيف والحر نام في العراء وافترش التراب. وغرفته التي يعمل فيها عارية ليس فيها غير رف الكتب والمكتب.
ناپیژندل شوی مخ