قالت: إنه ينتهي إلى ممر طويل آخر في الحديقة الخارجية يفتح من الداخل ولا يفتح من الخارج إلا بمفتاح خاص.
فتفرست سلمى في المكان، حتى تصورت المدخل والمخرج، ثم عاد إلى استطلاع أمر عبد الرحمن، ولكنها تظاهرت بعدم الاهتمام في بادئ الرأي وعادت إلى المقصورة وجلست إلى النافذة فأطلت على الحديقة والعجوز إلى جانبها تسليها بالأحاديث، وما لبثت أن تظاهرت بالملل وقالت للعجوز: دعينا نطل من الكوة لنرى مجلس الخليفة.
فمشت العجوز أمامها حتى خرجت من الغرفة وتحولت بضع خطوات على الطنافس المفروشة هناك فوصلت إلى وسادة صغيرة أزاحتها فانكشفت كوة صغيرة تطل على المجلس، فإذا به قاعة كبيرة مفروشة بالسجاد الملون، وعلى دائرها مما يلي الجدران وسائد جلس الأمراء عليها، بعضهم على وسائد مثناة وبعضهم على وسائد غير مثناة، أما يزيد فقد كان جالسا في صدر القاعة على دكة مرتفعة من خشب العرر صب فيه الذهب، وعلى رأسه اثنان بأيديهما الجراب، وفي يده قضيب الخلافة ، وعلى كتفيه برد خاص بالخلفاء، ورأت على نوافذ القاعة ستورا من الأطلس المزركش بالكتابة اليونانية التي ذكرناها.
فتأملت في هيئة ذلك المجلس فلم تجد فيه ما كانت تتوقعه من الهيبة والوقار إذ كان أهله يخاطب بعضهم بعضا حتى علت ضوضاؤهم، وسمعت بعضهم يقهقه ويزيد لا يعبأ بقهقهتهم، وكان موليا وجهه إلى ابن زياد يخاطبه سرا وهو يضحك.
ثم صاح بغتة قائلا: يا غلام، فدخل رجل كان واقفا بالباب ووقف متأدبا، فقال يزيد: قل لمن في بابنا من الشعراء إننا لن نقابل أحدا اليوم، وقبل أن ينطلق الغلام استوقفه وقال: ثم إننا نريد أن نرى ذلك الغلام الذي هم بقتلنا، إلي به.
فخرج الغلام ثم عاد ووراءه عبد الرحمن مكبلا بالحديد، فلما رأته سلمى ارتعشت مفاصلها لما خافت عليه من فتك يزيد. •••
جيء بعبد الرحمن إلى مجلس الخليفة، فلما توسط القاعة، التفت يمنة ويسرة وهو يتفرس في وجوه الحاضرين، ولا يبالي بما يتهدده من الخطر، وكانت سلمى ترقبه من خلال الكوة، فأعجبت برباطة جأشه ولبثت تنتظر ما يكون من أمره، وقلبها يخفق إشفاقا مما قد يصيبه من الأذى.
فناداه يزيد قائلا: ممن أنت يا رجل؟
فقالت عبد الرحمن: من هذه الساحة.
فابتدره عبيد الله بن يزيد قائلا: أيسألك أمير المؤمنين عن نسبك فتجيبه بهذا الجواب؟!
ناپیژندل شوی مخ