فعادت سلمى إلى القلق وقالت: وإلا ماذا؟ قل!
قال: إني ذاهب الآن في أثر هذه الحملة إلى حيث ينزلون لصيدهم، وسأختبئ في مكان ما حتى أنفرد بيزيد فأقتله، أما أنتما فامكثا هنا في انتظاري بقية هذا النهار وطول ليله، فإذا جاء مساء الغد ولم أعد إليكما فلا تطلباني، فلا أدري أين أكون.
فقال عامر: سر واتكل على الله، ونحن في انتظارك إلى غروب الغد، فإذا غابت الشمس ولم تعد إلينا، ف ...
فقطع عبد الرحمن كلام عامر قائلا: لا أظنني بعد قتل يزيد إلا مضطرا للاختفاء فلا أستطيع دخول هذا الدير، وسكت برهة يفكر ثم قال: ولكنني أرسل إليكم علامة.
قال: وما هي علامتك وكيف ترسلها؟
قال: أرمي إليكم بسهم أكتب بين ريشتيه اسم المكان الذي نلتقي فيه فتوافيانني إليه، فإذا جاء غروب الغد فانتظرا سهمي على سطح هذا الدير، ولن أذكر لكما بين الريشتين غير اسم المكان فلا خوف منه إذا وقع في أيدي الرهبان.
فأعجب عامر بفطنته وقال: إنها لنعم العلامة.
وتقلد عبد الرحمن قوسا صغيرا وأسهما، كما تقلد الخنجر، ولبس ثوبا أصبح فيه يشبه أتباع يزيد، وتزمل برداء فوق ثوبه، وكانت سلمى في أثناء ذلك تنظر إليه وقلبها لا يطاوعها على مفارقته، فلما أتم الاستعداد وهم بوداعها خفق قلبها وندمت على قبولها ذهابه، وأرادت أن تعود إلى منعه، فلم يتح لها فرصة، بل أسرع ففتح الباب وخرج، فلم تعد تستطيع اللحاق به مخافة أن يشتبه الرهبان في أمرهم، فتظاهرت بالسكينة، وتبعته بنظرها فإذا هو قد أدرك باب الدير وخرج منه، فاصطحبت عامرا والتمست سطح الدير لكي تشيعه ببصرها وهو سائر في الغوطة، فصعدا السلم وهما يتظاهران بالتفرج، فلما أشرفا على السطح رأيا عبد الرحمن قد قطع البستان حتى خرج من بابه وهو لا يلتفت يمنة ولا يسرة ثم أوغل بين الأشجار.
وفيما هما ينظران إليه من خلال الأشجار، رأيا رجلا ملثما خرج من الدير وسار في أثره، فلم يعرفاه ولا اشتبها فيه لخلو ذهنهما من وجود رقيب يراقبهما هناك، ولو علما من هو ذلك الملثم وما نصبه من الشراك لعبد الرحمن لتعقباه وأوديا به، أو لأرجعا عبد الرحمن عن عزمه.
وما كان ذلك الملثم إلا الضيف الأبرص الذي جاء الدير بالأمس واختبأ في إحدى غرفه، وكان قد رافقهم خلسة منذ خروجهم من الكوفة لحاجة في نفسه لو عرفتها سلمى لارتعدت فرائصها ولما صبرت إلى غروب الغد تنتظر رجوع حبيبها.
ناپیژندل شوی مخ