وابن عمه ووصيه الإمام علي، وإن لم يكن لهذا ولا لذاك فانتصارا للحق وإنقاذا للإسلام والمسلمين من سلطان شغل عن رعاية الأمة برعاية الجوارح والكلاب والفهود والمنادمة على الشراب.
فأراد عامر أن يجيبه ليثنيه عن عزمه إشفاقا على سلمى فقال له: لا أنكر عليك نبالة الغرض الذي ترمي إليه، ولكنني أظن الوقت لم يحن بعد. •••
مل عبد الرحمن الجدال فقال: لقد ضيقتما علي السبل، ولست أرى وقتا أنسب من هذا للوفاء بعهدي، ثم التفت إلى سلمى وقد هاجت أشجانه فوق هياج غضبه، وكأنه تحقق عظم الخطر الذي يتهدده في طريقه فقال: ويكفي يا سلمى أن يكون تأجيل قتل هذا الرجل باعثا على تأجيل زواجنا، ألم أجعل قتله يا منتهى أملي شرطا لعقد زفافنا؟ إنك تبتغين البعد وأنا أسعى في القرب وأشتريه بحياتي؟ ألم أعاهد نفسي على ذلك؟ آه يا سلمى! إني عالم بما يهددني، ولا أجهل خطر الطريق، ولكنني مضطر لركوب هذا المركب، فاتركيني وادعي لي، فإن دعاءك من دعاء الملائكة لأنك ملاك في صورة إنسان.
قال ذلك واختنق صوته، فسكت وراح ينظر إلى سلمى وعيناه تلمعان بما غشاهما من الدمع، وقد هاجت شجونه وتلوت عواطفه وهو يغالبها بشهامته وبسالته، وسلمى لا تزال ممسكة بطرف ثوبه، والحب والحياء يتنازعانها، فلما سمعت كلامه أطرقت والدمع يسيل على خديها وهي تحاول إخفاءه بسكوتها، وعامر ينظر إلى ذينك الحبيبين وقلبه معهما، ولكنه لا يدري لأيهما ينتصر.
ظلوا صامتين وعبد الرحمن يغالب عواطفه ويخاف أن تغلبه، ولكنه تجلد وأعاد الكرة وقال بصوت هادئ: لا أجهل يا سلمى أني سائر في مهمة ذات خطر عظيم، ولكنك تعلمين أننا إنما قطعنا البراري والقفار وجئنا هذه الديار من أجل الانتقام، وقد أردت المجيء وحدي فأبيتما إلا اللحاق بي، وهذا ما كنت أخشاه منذ بادئ الأمر، فلا تكوني عثرة في سبيلي وسبيل الحق. إنني إنما جئت إلى هذه الديار لقتل هذا الرجل. أما صدقتما ما ادعيناه من أننا جئنا للاتجار بالتمر والجمال؟! إننا ما جئنا إلا للانتقام، فهل يليق بنا بعد أن استخرنا الله وعزمنا، أن نرجع إلى الوراء؟! أليس من الغلو أن يكون ابن ملجم الباغي أكثر ثباتا مني، وهو إنما ثبت على قتل نفس بريئة، وأنا أسعى في استئصال شجرة فاسدة؟! إني أسعى في إنقاذ الإسلام من فساد تولاه، ولا علاج له غير قتل يزيد، لكي تعود الخلافة إلى حبيبنا سيد شباب المسلمين الإمام الحسين ابن بنت الرسول
صلى الله عليه وسلم
فاتركاني أذهب في سبيلي، فقد اتكلت على الله في أمري، وما الموت الذي تخافانه علي إلا سنة الله في خلقه، فإذا حكم علي به فلي أسوة بغيري من القوم الصالحين، وأكون قد توسدت الثرى قرير العين، ألقى وجه ربي باشا مطمئنا تشهد كل ذرة من ترابي بحسن جهادي، وإذا فزت وحييت فإني إنما أحيا سعيدا وسلمى زوجتي، والحسين مولاي وخليفة المسلمين. هذا هو القول الفصل، وكفانا ترددا.
فلم يبق ثمة مجال للدفاع، فقال عامر: دعيه يا سلمى، إن الله قد دعاه إلى عمل صالح اختاره له، فعسى أن يوفقه فيه، دعيه وألقي أمرك إلى الله.
فتركت سلمى ثوب عبد الرحمن ولكنها ظلت صامتة، فأتم عامر كلامه قائلا: والآن إذا أنت خرجت في أثر هذا الركب فما الذي تفعله، وكيف نطلع على خبرك؟ ألا ترى أن أسير أنا معك؟
قال: أقسم بتربة عمي الثاوي في هذا الجوار لا يذهبن أحد معي. أما خبري فسأحمله إليكما بنفسي وإلا ... وسكت.
ناپیژندل شوی مخ