فقال الرئيس: هذا أمر سهل يا بني، فإني أقدم لكم غرفتي تجلسون فيها أثناء تلك الزيارة.
فأثنى عامر على حسن ضيافته وقال: بورك فيك يا مولاي ، ثم ذهب ليدعو سلمى وعبد الرحمن. وعندئذ تذكر الرئيس ما سمعه بالأمس من الضيف الأبرص المتنكر من أن لهؤلاء حكاية تتصل بأمير المؤمنين، ولكنه لم يعد يستطيع الرجوع في قوله.
وبعد قليل عاد عامر ومعه رفيقاه فصعدوا جميعا إلى علية الرئيس، فاستقبلهم وأوصاهم بالتستر ما استطاعوا، فلم يفقهوا لوصيته معنى غير مجاراتهم في مقتضيات الحجاب، وكان للعلية نافذتان تطل إحداهما على ساحة الدير والأخرى على بستانه، فأطلوا على البستان والغوطة من ورائه يستطلعون موكب الخليفة قبل وصوله، وكانت الشمس قد أرسلت أشعتها على تلك المروج الخضراء تتخللها الجداول والبحيرات، وتطايرت العصافير وغنت البلابل، كما علت أصوات الماشية والحمير والجمال في الحظيرة، فشاقتهم تلك المناظر البديعة بما يخالطها من ألوان الفاكهة والرياحين والأزهار، ولم يكادوا يقفون قليلا حتى لاحت لهم من بين الأشجار خيول قادمة من جهة دمشق، وهي في هيئة موكب يتقدمه فارس بلباس زاه، وعلى رأسه عمامة صغيرة، وتجلل ثيابه جبة أرجوانية موشاة، وإلى جنبه سيف مرصع انكسرت أشعة الشمس على أحجاره الكريمة فأضاء كالمصباح، ووراء الفارس بضعة عشر من الفرسان، أقربهم إليه في مثل هيئته وزيه، فعلم عامر لأول وهلة أن الفارس الأول يزيد بن معاوية، ولكنه لم يتبين وجهه لبعد المسافة، ولم يعرف رفيقه، وإن كان قد رجح أنه من كبار خاصته.
وسألته سلمى: من هو هذا الفارس الأول يا عماه؟ لعله الخليفة المزعوم؟
قال: يظهر أنه هو.
قالت: ومن هو رفيقه الفارس الذي يليه؟ يظهر لي أنه من أخصائه.
قال: أظنه كذلك، فإذا اقترب تفرسته وأنبأتك بحقيقة حاله.
وظلت أبصارهم شاخصة إلى هذين الفارسين ولا يلتفتون إلى ما وراءهما حتى اقتربا من سور البستان، بينما كان رئيس الدير قد خرج برهبانه لاستقبال الضيف العظيم.
وترجل الفرسان، ودخل الخليفة أولا وإلى جانبه رفيقه، ثم دخل وراءهما بقية الحاشية، فمشوا في البستان وعامر يتفرس فيهم وسلمى وعبد الرحمن ينظران إلى عامر فرأيا سحنته قد تغيرت، والتفت إلى سلمى فسألته: ما بالك يا عماه؟ ماذا رأيت ؟
فتنهد وقال: يا للعجب! سبحان جامع الأشباه والنظائر! أتعلمين من هما هذان؟
ناپیژندل شوی مخ