فبغتت سلمى وقالت: قلت لك إني لا أبالي بالموت إذا علمت أن سهمي أصاب مقتلا من يزيد.
قال: إذا أكدت لك أن يزيد مات من تلك الجرعة، هل تسلمين نفسك إلى رجاله ليقتصوا منك؟
قالت: إذا استطعت النجاة فلا ألقي بنفسي بين أيديهم، أما إذا قبضوا علي وأرادوا قتلي فإني لا أبالي، ولكن ... وسكتت.
قال: مالك تترددين؟ قولي، إن هؤلاء الثلاثة تتبعوا خطواتنا حتى أدركونا هنا وهم يبحثون عنك فهل أقول لهم أنك هنا؟
فاستغربت سؤاله ولم تفهم أمازح هو أم جاد، فقالت: قلت لك إني إذا نفذ سهمي لا أبالي أن أقتل إلا إذا كان ... وخنقتها العبرات ولم تعد تتمالك عن البكاء والشيخ صامت لا يتكلم، ثم سألها: إذا كان ماذا؟
قالت والبكاء يغالبها ويخنق صوتها: أراك تهزأ بي، وعهدي بك أحن علي من الوالد على ولده، فما بالك تتجاهل عواطفي؟ على أني مع ذلك لا أستحيي أن أقول: إذا كان حبيبي عبد الرحمن ما زال حيا فإني أضن بحياتي وأحب البقاء من أجله، وإلا فإني لا أنتظر رجال يزيد ليبحثوا عني، بل ألقي بنفسي بين أيديهم وأعرض صدري لأسنتهم أو أتجرع بقية السم وهو ما زال معي. قالت ذلك وهي تشهق من شدة البكاء.
فأجابها الشيخ بضحكة طويلة طالما سمعتها منه وقال لها : عبد الرحمن؟! ومالك وعبد الرحمن؟ وإذا فرضنا أن يزيد مات وعبد الرحمن ما زال حيا صحيحا معافى فماذا تقولين؟
قالت: لا تهزأ بعواطفي يا مولاي، فقد كفاني ما أصابني، أستحلفك بالله أن تتركني وشأني.
قال: وما معنى الاستهزاء الآن، إني أقول الجد، وإذا كنت لا تصدقينني فإني أرفع صوتي مناديا عبد الرحمن فإذا هو بين يديك وعامر معه.
فتفرست في الشيخ وقد تملكتها الدهشة، وفكرت قليلا وهي لا تزال تظنه يمزح ولكن قلبها خفق خفوق الفرح وكأنه دلها على صدق قوله فقالت: نعم ادع لي عبد الرحمن، أو قل لي أين هو فأسعى إليه على رأسي ويدي.
ناپیژندل شوی مخ