فأرادت زينب أن تخفف عنها فقالت: تجلدي يا ابنتي، إني أرى في الأمر سرا عظيما وأمرا غريبا؛ لأني سمعت أن عبد الرحمن فقد خطيبته في دار يزيد بن معاوية في دمشق، وأنه جاء للانتقام لها ولأبيها وأبي رحمهما الله، وهو إنما أراد الذهاب إلى الكوفة سعيا في هذا السبيل. كيف يقولون إنك قتلت وأنت حية؟
فقالت: إنهم قتلوني ثم أحيوني كما قتلوا عبد الرحمن وأحياه الله؛ قد خرجنا من دمشق وأنا أحسبه مات وهو يحسبني مت، ولكنني عرفت بقاءه حيا بالأمس، وقيل إنه معكم فجئت لألاقيه وألاقي عامرا وصينا، فإذا أنا أسمع ما سمعته منك. أشفقي علي يا بنت الرسول وارثي لحالي، اعذريني على ما فرط من عواطفي بالرغم مني، وما أنتم في حال تساعدكم على الاهتمام بمثلي.
فاستغربت زينب كل كلمة تسمعها ولم تفهم السر في موتها وحياتها، ولكنها قالت لها: لا تيأسي من رحمة الله. نعم إن عبد الرحمن وعامرا خرجا إلى الكوفة مع الوفد، ولكننا لم نسمع بمقتل واحد منهما بل سمعنا بمقتل سواهما، ولا أظن هذين إلا على قيد الحياة، فأخبريني عما كان من موتك وموته في دار ابن معاوية، فأخذت سلمى تقص حديثها وزينب تنظر إليها وقد شغلت بما تسمعه من الغرائب عما هي فيه.
لما فرغت سلمى من حديثها آنست زينب فيما سمعته منها عبرة وموعظة، وأعجبت بغيرتها على الإسلام، وعلى الثأر لأهل البيت وشيعتهم، فقالت لها: إن حديثك أثر في خاطري تأثيرا كبيرا، وهون علي ما كنت أتخوفه من الموت، وما الموت بالأمر الذي ينبغي أن نخافه طالما رأينا الحق في جانبنا، فاتخذي حالنا موعظة لك، ثم فتحت ستار الهودج وقالت: انظري إلى هؤلاء وهم خيرة بيت الرسول، إنهم ملقون بأنفسهم إلى القتل لأنهم يعتقدون أن الحق في جانبهم ويرون خيرا لهم أن يموتوا محقين.
فشعرت سلمى بأنها بالغت في شكواها وبيان مصيبتها مع ما تراه من المصيبة التي يتوقعونها عما قليل وهي ضربة شديدة على الإسلام والمسلمين، فابتدرتها قائلة: إني لا أجهل ما نحن فيه يا مولاتي، ومن هو عبد الرحمن ومن أنا أو كل المسلمين في جانب أبناء بنت الرسول وأولادهم. وإنما يسوءني أن يغلب الباطل على الحق، وأن أرى الطغاة ينتصرون على الكرام.
وفيما هما في الحديث شعرتا بالهودج قد وقف، وسمعتا لغطا، فأطلت سلمى من خلال الستور فرأت الركب قد وقف، ووقف الحر ورجاله بإزاء الحسين ورجاله، وإذا برجل على ناقة قادم من الكوفة وقد نكس قوسه وترجل إلى الحر ودفع إليه كتابا.
فقالت زينب: ماذا عسى أن يكون خبر هذا الساعي؟ وما في كتابه؟ قالت ذلك وترجلت، فترجلت سلمى، وأسرعتا إلى الحسين ووقفتا تنتظران ما يكون من أمر ذلك القادم، فإذا بالحر قد تناول الكتاب وقرأه ثم تحول إلى الحسين وهو يقول: هذا كتاب من الأمير عبيد الله بن زياد، هل أتلوه عليك؟ قال الحسين: «اتله.»
فقرأه فإذا فيه: «أما بعد فجعجع بالحسين حين يبلغك كتابي ويقدم عليك رسولي، ولا تنزله إلا بالعراء في غير خضرة وفي غير ماء، وقد أمرت رسولي، أن يلزمك ولا يفارقك حتى يأتيني بإنفاذك أمري، والسلام.»
فلما فرغ الحر من تلاوة الكتاب نظر إلى الحسين كأنه يعتذر له من الأمر وقال: لا أقدر أن أنزلك إلا في هذا المكان. وأشار إلى سهل كربلاء على مقربة منهم، والفرات من ورائه والجند يحول بينه وبين الماء.
فتقدم الحسين إليه أن ينزله في مكان فيه ماء، فأبى وساقهم إلى كربلاء.
ناپیژندل شوی مخ