هذه المذكرات كتبت على ظهر الباخرة التي أقلتني إلى «الفلبين» في شهر أيلول 1925. أعتقد أنني كتبت منها ما يملأ كتابا، ولقد أعطى لهذه الصفحات القليلة من ينقذها؛ إذ حفظها بين أوراقه خلال هذه الثلاثين سنة. أما الباقية فيحتفظ بها اليوم، ولا يريد أن يطلقها من طلق كل جميل واحتفظ بحثالات الكئوس.
جعر البابور، بل جأرت الباخرة، على لغة القاموس والقوامسة، وكانت جأرته تبعث في النفس وحشة وريبة.
لا أدري معنى جأر في اللغة، ولكن تصويت باخرتنا كان مزيجا من خوار الثيران الضخم المرعب، ونعيب البوم الحاد النائح.
رفعت السلالم، وقرقعت الآلات.
دقت ساعة الهول، وتمزيق الحشا؛ فاحمرت العيون، وانكمش المسافرون في أسرتهم.
تلك كانت ساعة الوداع.
غرفة على البحر
انقضت من حياتي ثماني سنوات متتابعة في الجامعة الأميركية، وقد بقي في نفسي حسرة حين تركتها؛ لأني لم أقدر أن أسكن في غرفة تشرف على البحر؛ فقد كنت كلما طلبت إلى الناظر أن يتكرم علي بغرفة أرى منها البحر راح فجاد علي بواحدة تشرف على البر. أما في هذه الباخرة - لله ما أطيبهم - فمن غير أن أطلب إليهم أعطوني غرفة تشرف على البحر؛ فشكرت لحضرة الجرصون لطفه. ولكننا لم تمر بنا ساعة إلا وتحققت أن غرف البابور جميعها لا تطل على غير البحر، وأن حضرة الجرصون لم يكن لطيفا، بل إن حضرتي كنت ...
من ربح الحرب
من الألفاظ ما يدل بنفسه على معناه، مثلا لو قلنا «قرقعت» الدواليب تخيلنا معنى «قرقع»، وإن لم نكن ندري معناها من قبل، وإن من هذه الألفاظ كلمة «العلج»، فقد كنت كلما قرأت في كتب الأندلس القديمة هذه اللفظة في مثل قولهم: «وركب الأمير عبد الله في طلب العلج.» - وهم يعنون بذلك عقيد الإفرنج - كنت كلما قرأت ذلك تخيلت «العلج» رجلا كالعجل ضخم الرقبة، هائل الخلقة، بطيخي الرأس.
ناپیژندل شوی مخ