الرجل الذي هرم
واستعاد تشرشل رئاسة الوزارة، ولكنه جاءها هرما رجعيا يذكر الناس كيف أن العظيم يصبح في بعض الأحيان رمادا قبل أن تذروه رياح الموت.
والشيوعية
أما رايات الماركسية فقد تكاثرت في لبنان، وهي تخفق عارية حمراء في عتمة الدهاليز، وفي العلانية تظهر متنكرة بمختلف الألوان. ولقد تفيأها الكثيرون ممن خابوا في محاولات وطنية توهموا أن أداتها بعض المنظمات التي انتموا إليها فانهزموا عنها يتفيئون الشيوعية مطمئنين إلى خدر في النفس تشيعه هذه العقيدة. إنه من الخطل أن كل الشيوعيين في لبنان خائبون، أو فقراء، أو مأجورون. إن أشد الناس احتراما لحق المواطن باعتناق أي عقيدة، حتى العقيدة الشيوعية، هم القوميون الاجتماعيون الذين يقاتلونها. إن الشيوعية كمبادئ نظرية تطبع في كتاب هي إنتاج ذهني يستثير التفكير، ويبعث الجدل، ولكنها بخلقها للطبقية بين أفراد الأمة الواحدة تخلق الفتن، وتستنفر البهيمية، وهي في هدمها أسوار القومية بين الأمم ترمي بالضعيفة منها إلى براثن الاستعمار، وهو اليوم روسي، وقد يكون في غد غير روسي.
ولعل من أمضى أسلحتها في الدعاية الهجوم على الأميركان والإنكليز. والشيوعيون يلجئون في ذلك إلى الأسلوب الصهيوني الذي نجح في خلق إسرائيل؛ فلقد كان اليهود ينادون في الدنيا «أن انظروا كيف اضطهدنا هتلر؛ إذن فأنصفونا بأن نأخذ فلسطين.» والشيوعيون اليوم يصيحون: «هاكم الاستعماريون الأميركان والإنكليز، أليسوا أشرارا؟» إن الأميركان والإنكليز هم أشرار، وهم أفاضل. ولو سلمنا جدلا أنهم يمارسون نظاما رأسماليا نخاسيا، فأي منطق يربط هذا باعتناقنا الشيوعية، وهو المبدأ الذي فشل في كل بلد نفذ فيه، وخسر كل بلاد ربحها بالاحتلال، وهو المبدأ الذي في أساسه يجعلنا خونة ننتقض عن ولائنا لبلادنا التي يجب أن يكون لها منا أبدا ودائما الولاء الأول والأخير.
إن الشيوعية سجلت في لبنان في العام الفائت نصرا كبيرا؛ لم يعد أحد يخجل بأن يقول إنه شيوعي، بل صارت الموضة أن يعترف بشيوعيته بعض المواطنين بشيء من الغنج والخيلاء.
ويستحيل أن تذكر الشيوعية في لبنان من غير أن تذكر حالا نقيضتها العقيدة القومية الاجتماعية. ولبنان الذي شهد في مختلف الظروف حلفا بين الإخصام والعقائد المتضاربة لم يشهد بعد لا حلفا ولا تقاربا بين هاتين القوتين برغم أن شهر أيلول كاد يحشد في معسكر واحد كل القوى اللاخورية.
وقد سجلت العقيدة القومية الاجتماعية نصرا كبيرا في السنة الفائتة بما كسبته من عدد وفير أقبل على اعتناقها، وبموجة من الود والإعجاب انطلقت من كل الأوساط المدركة، غير أن هذا الظفر يجب أن يستمر ويتضاعف حتى يقضي على أباطيل النظام - بل الأنظمة - التي أضعفت وشلت قوى مجتمعنا.
ونحن نعلم أن العهد الماضي - وقد كان في خدمة المفوضيات - كان يعتبر أن القومية الاجتماعية لا الشيوعية هي عدوة الأجانب رقم واحد. إن الأجانب لم يحسبوا فيما مضى أن الشيوعيين يؤبه لهم ما دام أمرهم إن اشتد يتأزم في مظاهرة يفرقها بوليسان أو ثلاثة، ولكن الأجانب - وهم ذوو مصالح - يخافون قوة عقيدة نبتت من هذه الأرض لغرض واحد، وهو خدمة أمتها، فهم إذن يؤثرون أن يعظم أمر المنظمات التي لن يكون لفعلها تأثير عام، ويفضلون تقوية الأشخاص الذين يباعون ويشترون، ويرضخون للوعيد، وتغريهم الوعود، ولا تدعمهم منظمة تسيرها مبادئ. وما دام الأجانب يفهمون الاستقرار في أن يستمر ضعف الدولة الصغيرة، فسيبقى القوميون الاجتماعيون هدفا لاضطهادهم يتنازعون والشيوعيين المكان الأول كأعداء للأجانب.
برغم مظاهر السذاجة في القوميين الاجتماعيين، فهم يفهمون هذا الموقف، ولهم في كل يوم عليه برهان قاطع.
ناپیژندل شوی مخ