ما كنت وحدك في المالكية، ولا في جيش الإنقاذ. رفقاء لك جاءوا يجاهدون من بغداد، ودمشق، وحوران، وسائر أنحاء بلادنا، أكثرهم لا نعرفهم ولا نذكرهم، وهم ما وجدوا حتى اليوم من يكرمهم، أو يسأل كيف حالهم وما حل بعيالهم.
وأنت لم يغمر اسمك، وما أهمل أمرك؛ لأنك أحد أفراد الجيش الذي يعرف كيف يكافئ ويقدر.
فباسم الذين يريدون الدفاع عن هذه الأمة بجيش الحق والنظام والواجب والحرية.
وباسم الذين يرون في أمثالك شرارات من نيران كامنة يريدون أن يثقبوا عنها السطح لتنفجر في وجوه أعداء هذه الأمة.
باسم الذين يدخلون المعارك، ولا يعدون أعداءهم، ولا يأبهون كيف تنتهي المعركة، بل يصمدون لا تؤلمهم الجراح.
باسم الذين يقدرون البطولة بأن يمارسوها.
جئنا نحييك لا نرثيك.
طوربي
انتصب على ظهر البابور عابسا كأنه تمثال النقمة، وجمد لحظة ليتحرك من جديد، ثم قبض بيديه على قضبان الحديد التي سورت الباخرة، وشد عليها كأنه يريد أن يلويها.
كل ما في الدنيا معكوس. إنه في المكان المغلوط، وفي البلاد المغلوطة، وفي مهنة يمقتها، ولم تروضه الحياة لها. ها هو في باخرة، ولكنها في حقيقة الأمر قارب كبير. إنها تمخر نهرا، وما هو بنهر، بل هو بحر. إنه رجل أبيض يتكلم العربية، وكل من حوله زنوج، أو شبه زنوج، يثرثرون مصرعزين كزمرة من نور. في جيبه تحارير من بلاده، وعلى سريره صحف بيروت كلها تذكره بدنيا سلخ عنها إلى الأبد، فردوسه المفقود. وهؤلاء المسافرون ما الذي يضحكهم؟ ما هذا المرح الذي يسيطر عليهم؟ إنهم - برغم عريهم ومظاهر الفقر - في ضجة الفرح، أو سكوته؛ في الليالي يرقصون ويغنون، ويلعبون القيثار، وينامون لا هم، لا شكوى، لا عبوس، لا مشاكسات. إنهم والقدر في صلح دائم، وهذه المواشي والخنازير في بطن الباخرة تخور وتموء وتصوت، وتنشر الروائح، إنها لا تزعجهم. يتقوقعون على أكياس جوز الهند، وصناديق السمك المقدد، وسلال البيض. كيف له أن ينفلت من هذا القفص العائم الذي يحبسه مع هؤلاء البهائم؟ وهذا المسدس على جنبه لماذا يحمله؟
ناپیژندل شوی مخ