وحدث في إحدى السنوات أن متعهد أسفار جاء بباخرة للحجاج من الفلبين، فأوصلهم إلى «سنغافورة»، وقال لهم هذه مكة المكرمة، ثم أرجعهم إلى الفلبين حجاجا.
أما القبيلة الثانية من مسلمي الفلبين، فهي تتمركز حول مدينة «كوتباتو». وفي بيروت اليوم تاجر مكتبه على البور هو عمر القيسي. إن سألت عن عمر القيسي فلا أحد يعرفه، أما إن سألت عن «أبو سمير» فهو معروف، هو ونسيبه عبد الرحمن الجارودي، وقريبه الثاني سعد الدين الجارودي، عاشوا واتجروا في «كوتباتو» سنين.
وكان بعض «الموروز» - وأخصهم المتقدمون بالسن - يتقدمون إليهم بعض الأحيان يطلبون منهم الأدعية والرقى.
وكان أكثر الثلاثة تبرما بهذه الطلبات عبد الرحمن الجارودي، ومرة جاءته امرأة تقبل يديه وتطلب إليه أن يعطيها رقية ترجع إليها زوجها الذي غاب عنها منذ سنوات. وكان عبد الرحمن الجارودي يصرف المرأة وينتهرها فتعود إليه تتضرع. وأخيرا، وجد أن أحسن وسيلة للتخلص منها أن يكتب لها ما تريد، فتناول قلما وورقة، وكتب بالعربية:
هذه فلانة زوجة فلان، غاب عنها زوجها منذ سنوات، إن رجع كان به، وإلا فللقرد ...
أو ألفاظا بهذا المعنى وأفصح. وفي اليوم التالي عادت المرأة باكية تخبر عبد الرحمن أن زوجها عاد، فكيف تقدر أن تكافئ حضرة الإمام؟
وفي «كوتباتو» كذلك عاش رجل من دير قوبل اسمه نعيم أبو علي، اشتغل بتجارة صيد التماسيح من نهر كوتباتو الكبير حيث تكثر التماسيح، و«الموروز» يصطادون التماسيح بأن يقاتلوها في النهر وفي يد الصياد مدية حادة فيحتال القانص على التمساح حتى يغطس إلى تحته، ويتناول بطن التمساح - وبطنه هو القسم الوحيد من جسده الذي ينفذ فيه السكين - فيطعنه بالمدية، أو قد ينصبون على ضفاف النهر فخا من قصب يربطون فيه معزاة، فإذا جاء التمساح ليأكلها تخبط وعلق، فيداهمه الصيادون بحرابهم ويقتلونه.
إن كنت يا قارئي متبرما بعملك فاذكر أنه أفضل من طلب الرزق بصيد التماسيح.
نعيم أبو علي قتله اليابانيون، وكان قد باع تجارته إلى ابن عمتي عارف تقي الدين، وهذا مات منذ سنين. بالأمس تسلمت أمه عوضا عن ابنها رصيد غربته النهائية: أربعة آلاف ليرة.
حين تقف على المرفأ - أو على المطار - تنظر إلى فتياننا المهاجرين، اذكر كل هذا.
ناپیژندل شوی مخ