كان رامز في دائرة من ضباط وجنود تعد نيفا وعشرين ، غير أني عرفته حالا لأول مرة حين رأيت عينيه السوداوين الكبيرتين ووجهه الأسمر.
وتصافحنا من غير أن نتكلم العربية تأدبا أمام رفاقه الذين أخذوا يصرون على أن أشرب وأشرب؛ لأن الحفلة على شرف رامز صعب وحسابه. قلت: ما الخبر؟ أجابوا: «إنه فاز بشريطة جديدة.» وتألب رفاقه عليه فانتزعوا من جيبه مرسوم الترقية، وقرأه أحدهم بصوت عال: «يرقى الشاويش رامز عبد الحليم صعب إلى رتبة باشاويش
Master Sergeant .» لأنه ورئيس دائرة التصوير الفوتوغرافي في الغرفة الفلانية اكتشفا من دراستهما لبعض الصور أن حفريات جديدة قام بها العدو حول المدرسة الزراعية في «باغيو»، وكان من نتيجة هذا الاكتشاف أن تمكن الطيران من تدمير ذخائر هائلة بقيت تتفجر ثلاثة أيام بلياليها.
وتطلعت إلى رامز وصحت: «الله يحرق دينك على دين الشويفات، هذه الشريطة كاد أن يكون ثمنها أرواحنا.»
وساد الهرج والمرج إلى أن وقف أحدهم، وقال: «من يريد أن يراهنني على أن رامز سيصبح بأقل من أسبوعين ضابطا (ليوتنان)؟» سألته: «وما الذي يحملك على هذا الاعتقاد؟» أجاب: «لأنه اكتشف مهربا في الجبال كانت تسير عليه القبائل في الزمن القديم، فأرسلنا دعاتنا نخبر المدنيين، وبعثنا بالأدلاء فتمكن من النجاة من اليابانيين مئات هربوا بواسطة هذا الدرب المهمل.»
حينئذ تطلعت إلى رامز عبد الحليم صعب، ولم ألعن دين الشويفات.
سألت رامز: «كيف عرفت بوجودي في الفلبين وأنت في الجبهة والمدينة خراب وفوضى؟» أجاب: «اسمع؛ قبل هجرتي إلى أميركا كنت أدرس في كلية القسيس طانيوس سعد في الشويفات، ومرة في حفلة مسائية جاءنا من يحسن التنويم المغناطيسي، ودعا أحد التلامذة أن يتطوع لينومه؛ فانبرى أحد التلامذة، واسمه مالك تقي الدين، وسأله المنوم: «بمن تفكر؟» أجاب مالك: «أفكر بأخي عارف تقي الدين، وهو في الفلبين.»
قال رامز: «وبقيت هذه الحادثة عالقة بذاكرتي، فلما رجعت من الجبهة سألت في المعسكر عن اسم تقي الدين فدلوني عليك.»
أمس كنت في منزل الشيخ عبد الحليم صعب أتحدث إليه وإلى السيدة زوجته أم رامز، فإذا هما في فرح، رامز سيرجع من أميركا في شهر آب بإذن الله.
متى وصل رامز بالسلامة، لا تنس أن تذكرني بأن أقص عليك حادثة «برنيطة الجنرال».
ناپیژندل شوی مخ