جورج بوخنر: د کاملې ډراماتیکي کارونه
جورج بشنر: الأعمال المسرحية الكاملة
ژانرونه
والقراءة الأولى للمسرحية توحي بأنها مسرحية رومانتيكية، تسيطر على فن الملهاة كما فهمه هؤلاء الرومانتيكيون وعبروا عنه بروحهم الشاعرية الحالمة. والواقع أن بشنر قد كتب المسرحية تحت تأثير قراءاته للرومانتيكيين الألمان من أمثال برنتانو وتيك وهوفمان وكاميسو، والفرنسيين مثل فيكتور هيجو وألفريد دوموسيه، ولكن الواقع أيضا أنه أراد أن يتحرر من أحزانهم وأشواقهم، ويكشف الرومانتيكي في نفسه لكي يتخلص منه، ويتجاوز عالمهم بالسخرية منه وبالتحدي له. هي مسرحية حالمة، ولكنه الحلم الذي يفتش عن المعرفة، وهي حلم شفاف، ولكنه لا ينسينا مرارة الواقع المفزع أبدا. إنها من طراز مسرحيات الحلم؛ من حلم ليلة صيف لشكسبير إلى لعبة الحلم أو إلى دمشق لسترند برج، ومع ذلك فليس فيها مكان للمثاليين ولا للعاطفيين!
الحياة ملهاة، ولكن هذه المعرفة لا تأتيه إلا من معرفته بفناء الحياة وزوالها، وإذا كان الإنسان يشترك في تمثيل هذه الملهاة فليس ذلك لأنه يسعده أن يشترك فيها، بل لأن قدرا قاسيا قد كتب عليه ذلك؛ فعنصر الكوميديا ينمو من الجذور التراجيدية، بل إن العنصر التراجيدي يصبح عن طريق العنصر الكوميدي سخرية مرة شاملة، وهذا ينطبق على الأمير «ليونس» الذي يشف شفافية النور، ولكنه يكاد يقتل نفسه من طول التأمل في نفسه، مثله في ذلك مثل دانتون؛ البطل الذي شل تفكيره قدرته على الفعل.
إن ليونس أبيقوري من نوع عجيب؛ فهو يتلذذ بتعذيب نفسه، ويستقطر الألم الكوني قطرة قطرة، ويجد متعته في حب يموت كطفل رقيق شاحب مسجى في تابوت، قبل أن يجدها في نعمة الحب الذي ينمو ويتفتح ويزدهر. إنه يعشق نفسه، أو بعبارة أصح يعشق أن يمتص الدم من جراحه؛ أن يرى عواطفه تذبل وتتحلل، أن يجد نفسه يترنح كالراقص على الحبل بين الحلم والواقع، والوهم والحقيقة، واللعب والجد. إن كل همه أن يوقف اللحظة الراهنة ليستمتع بها إلى آخر قطرة، ولكن اللحظة تمر، وتزيده إحساسا بلوعة وعذاب المصير، فيتأملها وكأنه يقول لها على لسان فاوست: تريثي قليلا فما أجملك!
هذا الإحساس بالحياة يظل يتأرجح بين متعة الخيال التي لا حد لها، وبين خيبة الأمل التي يسببها السأم. والحياة تواصل عبثها، يشدها الإحساس الرومانتيكي الذي يموت من ناحية، وتجذبها حقيقة الواقع الذي يتجرد من سحره من ناحية أخرى.
إن الشخصيات لا تجد الفعل الذي تغوص في لجته؛ ولذلك فهي مهددة في كل لحظة بالسقوط في هوة الفراغ. إنها، على حد قول فاليريو، كصفحة بيضاء كتب عليها في كل لحظة أن تملأها بالكتابة. وتكاد الذات أن تتفرق وتتلاشى، لولا أن النظرة الساخرة المبتعدة تجدد سخريتها من هذه الذات في لحظات الملل وتجدد أيضا متعتها بعذابها، ولولا نعمة الأسطورة التي تحقق الحلم في النهاية، وتخلص الإنسان بالحب والسعادة من خوفه من الملل والعدم.
وقصة هذه المسرحية بسيطة؛ فالأمير ليونس من مملكة بوبو قد أعلنت خطبته لأسباب سياسية على الأميرة «لينا» من مملكة «بيبي»، ولكن الأميرين لم يسبق لهما أن تلاقيا وجها لوجه، وليس في إمكانهما أن يشعرا بالحب نحو بعضهما البعض؛ ولذلك يلجآن إلى الفرار من هذا الزواج الرسمي، فيهرب ليونس في صحبة خادمه فاليريو (وما أشبهه بشخصية مضحك الملك)، وتهرب لينا في صحبة مربيها، ولكن القدر يشاء أن يلتقي العروسان دون أن يعرف أحدهما الآخر، وأن يتحابا ويتفقا على الزواج. وكأن بشنر يريد بهذا أن يصور قدرية التاريخ على خشبة المسرح، وأن يمسك بيديه تلك الخيوط التي تحركنا بها قوة مجهولة، وكأننا دمى مسكينة في يديها. ويعود الأمير ليونس إلى مملكته بعد أن صمم على الزواج من حبيبته المجهولة، ويقدمهما فاليريو إلى البلاط كما يقدم «آلات حية»؛ المقدور إذن قد حدث. ويضطر الملك الذي لا يريد أن يؤجل احتفالات الزواج حتى لا يشغله كذلك عن تأملاته الفلسفية إلى الموافقة على عقد زواج العروسين المقنعين، ثم لا يلبث أن يكتشف أنهما هما ولده وعروسه، وتنتهي الرواية نهاية سعيدة، فيخلف ليونس أباه على العرش، وترفرف السعادة والحكمة على المملكة التي لا يعيبها سوى أن اسمها هو بوبو!
2
ويلاحظ القارئ أن بشنر يسجل بهذه المسرحية، في إطار ساخر، زهده في السياسة، وخيبة أمله في الثورة على الاستبداد. إنه هنا يكرر ما قاله في بيانه الثوري الفريد، وإن لم يقله بنفس اللهجة الجادة التي كادت تودي بحياته.
أما عن مسرحية فويسك فإن بطلها «السلبي» يعد أول شخصية كادحة تحتل مكان الصدارة في زمنها في مسرحية عالمية، وقد استمد بشنر موضوعها من حكاية واقعية جرت حوادثها لجندي بسيط قتل زوجته لخيانتها له، وتسود المسرحية كلها روح الانهيار الكوني الشامل والفزع من ظلام العدم والقلق أمام المجهول.
إن البطل هنا، مثله مثل دانتون، لا يقاوم ولا يتقدم إلى الأمام، بل يحني رأسه للقدر المعتم، لا عن ضعف، بل عن بصيرة بعبث كل فعل وانتصار. ولما لم يكن هناك فعل، فليس ثمة رد فعل له، ولا مسرحية بالمعنى التقليدي لهذه الكلمة. إن الفصل ينحل إلى مشاهد منفصلة، ومحاورات ذاتية (مونولوج)، ولحظات خاطفة، وليس ثمة خط يرتفع بالحدث أو يهبط به إلى نهايته، بل لوحات وصور مفككة، ورعشات لا يجمعها غير التوتر المتصل؛ ولهذا يرى النقاد أنها تمثل خطوة هامة على طريق المسرح الملحمي الحديث.
ناپیژندل شوی مخ