فسألها بدوره بامتعاض: أين زوزو؟ - لعلها في الطريق إلى البيت .. فصاح بغضب: هذه الطفلة الشريرة؟ - زوزو شريرة؟
قابلتني في الطريق منذ ساعتين، وكذبت علي الشيطانة قائلة إن عمتي ماتت.
فضربت المرأة صدرها بيدها، وقالت بدهشة: كيف تجرؤ؟ من أين لها هذا الكذب؟ هذا أمر عجيب .. بل إنه أعجب شيء أسمعه في حياتي .. لعل البنت وهي تسمعنا دائما - نتمنى على الله موت عمتك - أرادت ...
ولم تتم حديثها إذ دق الباب ودخلت زوزو. وما إن رأت والدها حتى رمت حقيبتها وجرت نحوه ضاحكة، وقفزت إلى حجره وأحاطت بيدها عنقه، ثم قالت وهي لا تسكت عن الضحك: هل اشتريت لي الشيكولاتة كما وعدت؟
فنزع يدها الصغيرة عن رقبته بشيء من العنف، وحدجها بنظرة قاسية، ثم سألها بخشونة وهو يدفعها عن حجره: كيف تكذبين علي؟
قالت وهي لا تكف عن الضحك، وإن بدأت تدرك صعوبة الاستيلاء على الشيكولاتة: في أي يوم نحن : إني أسألك كيف تكذبين علي؟ - اليوم أول أبريل .. وقد علمت أنه يجب على الناس أن يكذبوا فيه .. وهكذا قالت لي بثينة، وقد سألت «أبلة» فأمنت على ما قالت بثينة، ولكنها نبهت علي أن أختار كذبة سارة كي لا أوذي أحدا .. وقد اخترت لك أحسن كذبة!
فقطب وجهه، وقال لها بشدة: لعنة الله عليك وعلى أول أبريل .. هل يصدق الناس طول العام كي يلهوا بالكذب في أول أبريل؟!
وهنا فقط أدركت زوزو أنها أخطأت، وأن والدها غاضب عليها حقا، وأنها فقدت كل الأمل في الشيكولاتة، فكفت عن الضحك، وعلا محياها الارتباك، واحمرت وجنتاها من الخجل، ونظرت إلى أمها تستغيث بها. أما أبوها فقد قام متثاقلا، ودلف إلى حجرته حزينا كئيبا ينوء بالهم والفكر. ولحقت به زوجه وانتبذت ركنا من الحجرة في صمت ووجوم. وقفت ترمقه بعينين كئيبتين وقلبها يحدثها بدنو شر مستطير، ولكنها لم تجرؤ على تمزيق هذا الصمت الغليظ. انتهى الأمر وخابت المحاولة الأخيرة وآذن الخراب بالوقوع.
هل ينتحر ويضع حدا لهذه الحياة القلقة المنغصة؟ فقد اضطرب عقله بهذه الفكرة الهائلة لحظة، ولكنه تغلب عليها وفندها قائلا لنفسه: «إذا انتحرت فمن للأولاد؟» .. ولم يجد أمامه سوى الاستسلام والنزول عند حكم المقادير.
وظل الصمت مخيما يزهق النفوس، والمرأة واقفة حيث هي، وهو قاعد على الكنبة مسندا رأسه إلى كفيه، وقد ظهر رأس زوزو من الباب لحظة ولاحت عيناها تدوران بين والديها، ثم ارتدت مسرعة، فارة مضطربة.
ناپیژندل شوی مخ