ثم سكت لحظة يختار ديباجة الشرح، ثم استطرد: أشوقا، ولما يمض لي غير ليلة .. يقول الشاعر: أأشتاق ولم يمض لي غير ليلة على الفراق ...
واضطر إلى قطع الشرح؛ لأنه اكتشف فجأة أنه يجهل معنى خب والمطي، فنادى ذاكرته ولكنها لم تسعفه، فاضطرب وارتبك واشتد به الخجل، وكاد الدم يتفجر من خديه، ولحظت سوسن صمته واضطرابه فسألته، وقد قل صبرها: والشطر الثاني؟
فاشتد به الاضطراب والارتباك والخجل، وأشفق من أن يفقد مفخرته الوحيدة في الدنيا، وهي ما يزعم من التفوق على الأقران، فآثر الكذب والتحايل على التسليم بالجهل، فقال: خب بمعنى طال .. والمطي هو الفراق .. معنى الشطر كله: كيف إذا طال الفراق عشر ليال لا ليلة واحدة؟
وأغلقت سوسن الكراسة في ارتياح وطمأنينة، ونظرت إليه ممتنة شاكرة، فأغضى أمام نظراتها الساحرة خجلا وخزيا، متألم الضمير من تضليله لها وعبثه بثقتها به، وذكر في رعب مفاجأتها المتوقعة أمام الشيخ حين يشطب بقلمه الأحمر على شرح الشطر الثاني .. فما عسى أن يكون رأيها فيه أو شعورها نحوه؟
وكاد يغرق في أفكاره، لولا أن سمعها تقول بصوت هادئ عذب:
أأشتاق ولم يمض لي غير ليلة
فكيف إذا طال الفراق عشرا
ثم ضحكت وسألته: لمن قيل هذا البيت؟
وكان قد سرى عنه الهم سماع صوتها وضحكتها، وقال: الذي يفهم أن الشاعر يخاطب حبيبته.
وكانت هذه أول مرة يجري بينهما فيها ذكر لإحدى اشتقاقات الحب، فنظر إليها مرتبكا وهاله أن يرى حمرة في خديها وارتباكا في عينيها .. لم؟ .. لم؟
ناپیژندل شوی مخ