الفتوحات المکيه
الفتوحات المكية في معرفة الاسرار الملكية
خپرندوی
دار إحياء التراث العربي
شمېره چاپونه
الأولى
د چاپ کال
1418هـ- 1998م
د خپرونکي ځای
لبنان
بأفعل وبأفعال وأفعلة . . . وفعلة يجمع الأدنى من العدد يقول الله تعالى من كرمه لإبليس وعموم رحمته حين قال له أرأيتك هذا الذي كرمت علي لأحتنكن ذريته إلا قليلا قال اذهب فمن اتبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم فما جاء إبليس إلا بأمر الله تعالى فهو أمر إلهي يتضمن وعيدا وتهديدا وكان ابتلاء شديدا في حقنا ليريه تعالى أن في ذريته من ليس لإبليس عليه سلطان ولا قوة ثم إن الذين خذلهم الله من العباد جعلهم طائفتين طائفة لا تضرهم الذنوب التي وقعت منهم وهو قوله والله يعدكم مغفرة منه وفضلا فلا تمسهم النار بما تاب الله عليهم واستغفار الملأ الأعلى لهم ودعائه لهذه الطائفة وطائفة أخرى أخذهم الله بذنوبهم والذين أخذهم الله بذنوبهم قسمهم بقسمين قسم أخرجهم الله من النار بشفاعة الشافعين وهم أهل الكبائر من المؤمنين وبالعناية الإلهية وهم أهل التوحيد بالنظر العقلي وقسم آخر أبقاهم الله في النار وهذا القسم هم أهل النار الذين هم أهلها وهم المجرمون خاصة الذين يقول الله فيهم وامتازوا اليوم أيها المجرمون أي المستحقون بأن يكونوا أهلا لسكنى هذه الدار التي هي جهنم يعمرونها ممن يخرج منها إلى الدار الآخرة التي هي الجنة وهؤلاء المجرمون أربع طوائف كلها في النار لا يخرجون منها وهم المتكبرون على الله كفرعو ن وأمثاله ممن ادعى الربوبية لنفسه ونفاها عن الله فقال يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري وقال أنا ربكم الأعلى يريد أنه في السماء إله غيري وكذلك نمرود وغيره والطائفة الثانية المشركون وهم الذين يجعلون مع الله إلها آخر فقالوا ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى وقالوا أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب والطائفة الثالثة المعطلة وهم الذين نفوا الإله جملة واحدة فلم يثبتوا إلها للعالم ولا من العالم والطائفة الرابعة المنافقون وهم الذين أظهروا الإسلام من إحدى هؤلاء الطوائف الثلاثة للقهر الذي حكم عليهم فخافوا على دمائهم وأموالهم وذراريهم وهم في نفوسهم على ما هم عليه من اعتقاد هؤلاء الطوائف الثلاث فهؤلاء أربعة أصناف هم الذين هم أهل النار لا يخرجون منها من جن وأنس وإنما كانوا أربعة لأن الله تعالى ذكر عن إبليس أنه يأتينا من بين أيدينا ومن خلفنا وعن ايماننا وعن شمائلنا فيأتي للمشرك من بين يديه ويأتي للمعطل من خلفه ويأتي إلى المتكبر من عن يمينه ويأتي إلى المنافق من عن شماله وهو الجانب الأضعف فإنه أضعف الطوائف كما أن الشممال أضعف من اليمين وجعل المتكبر من اليمين لأنه محل القوة فتكبر لقوته التي أحسها من نفسه وجاء للمشرك من بين يديه فإنه رأى إذ كان بين يديه جهة عينية فأثبت وجود الله ولم يقدر على إنكاره فجعله إبليس يشرك مع الله في ألوهيته وجاء للمعطل من خلفه فإن الخلف ما هو محل النظر فقال له ما ثم شيء أي ما في الوجود إله ثم قال الله تعالى في جهنم لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم فهذه أربع مراتب لهم من كل باب من أبواب جهنم جزء مقسوم وهي منازل عذابهم فإذا ضربت الأربعة التي هي المراتب التي دخل عليهم منها إبليس في السبعة الأبواب كان الخارج ثمانية وعشرين منزلا وكذلك جعل الله المنازل التي قدرها الله للإنسان المفرد وهو القمر وغيره من السيارة الخنس الكنس تسير فيها وتنزلها لإيجاد الكائنات فيكون عند هذا السير ما يتكون من الأفعال في العالم العنصري فإن هذه السيارة قد انحصرت في أربع طبائع مضروبة في ذواتها وهن سبعة فخرج منها منازلها الثمانية والعشرون ذلك بتقدير العزيز العليم كما قال كل في فلكه يسبحون وكان مما ظهر عن هذا التسيير الإلهي في هذه الثمانية والعشرين وجود ثمانية وعشرين حرفا ألف الله الكلمات منها وظهر الكفر في العالم والإيمان بأن تكلم كل شخص بما في نفسه من إيمان وكفر وكذب وصدق لتقوم الحجة لله على عباده ظاهرا بما تلفظوا به ووكل بهم ملائكة يكتبون ما تلفظوا به قال تعالى ' كراما كاتبين ' وقال ' ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ' فجعل منازل النار ثمانية وعشرين منزلا وجهنم كلها مائة درك من أعلاها إلى أسفلها نظائر درج الجنة التي ينزل فيها السعداء وفي كل درك من هذه الدركات ثمانية وعشرون منزلا فإذا ضربت ثمانية وعشرين في مائة كان الخارج من ذلك ألفين وثمانمائة منزل فهي الثمانية والعشرون مائة فما برحت الثمانية والعشرون تصحبنا وهذه منازل النار فلكل طائفة من الأربع سبعمائة نوع من العذاب وهم أربع طوائف فالمجموع ثمان وعشرون مائة نوع من العذاب كما لأهل الجنة سواء من الثواب يبين ذلك في صدقاتهم كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة فالمجموع سبعمائة وهم أربعة طوائف رسل وأنبياء وأولياء ومؤمنون فلكل متصدق من هؤلاء الأربعة سبعمائة ضعف من النعيم في عملهم فانظر ما أعجب القرآن في بيانه الشافي وموازنته في خلقه في الدارين الجنة والنار لإقامة العدل على السواء في باب جزاء النعيم وجزاء العذاب فبهذا القدر يقع الاشتراك بين أهل الجنة وأهل النار لللتساوي في عدد الدرج والدرك ويقع الامتياز بأمر آخر وذلك أن النار امتازت عن الجنة بأنه ليس في النار دركات اختصاص إلهي ولا عذاب اختصاص إلهي من الله فإن الله ما عرفنا قط أنه اختص بنقمته من يشاء كما أخبرنا أنه يختص برحمته من يشاء وبفضله فالجنة في نعيمها مخالف لمميزان عذاب أهل النار فأهل النار معذبون بأعمالهم لا غير وأهل الجنة ينعمون بأعمالهم وبغير أعمالهم في جنات الاختصاص فلأهل السعادة ثلاث جنات جنة أعمال وجنة اختصاص وجنة ميراث وذلك أنه ما من شخص من الجن والأنس إلا وله في الجنة موضع وفي النار موضع وذلك لإمكانه الأصلي فإنه قبل كونه يمكن أن يكون له البقاء في العدم أو يوجد فمن هذه الحقيقة له قول النعيم وقبول العذاب فالجنة تطلب الجميع والجميع يطلبها والنار تطلب الجميع والجميع يطلبها فإن الله يقول ولو شاء لهداكم أجمعين أي أنتم قابلون لذلك ولكن حقت الكلمة وسبق العلم ونفذت المشيئة فلا راد لأمره ولا معقب لحكمه فينزل أهل الجنة في الجنة على أعمالهم ولهم جنات الميراث وهي التي كانت لأهل النار لو دخلوا الجنة ولهم جنات الاختصاص يقول الله تعالى ' تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا فهذه الجنة التي حصلت لهم بطريق الورث من أهل النار الذين هم أهلها إذ لم يكن في علم الله أن يدخلوها ولم يقل في أهل النار أنهم يرثون من النار أماكن أهل الجنة لو دخلوا النار وهذا من سبق الرحمة بعموم فضله سبحانه فما نزل من نزل في النار من أهلها إلا بأعمالهم ولهذا يبقى فيها أماكن خالية وهي الأماكن التي لو دخلها أهل الجنة عمروها فيخلق الله خلقا يعمرونها على مزاج لو دخلوا به الجنة تعذبوا وهو قوله صلى الله عليه وسلم فيضع الجبار فيها قدمه فتقول قط قط أي حسبي حسبي فإنه تعالى يقول لها ' هل امتلأت فتقول هل من مزيد فإنه قال للجنة والنار لكل واحدة منكما مارها فما اشترط لهما إلا أن يملأهما خلقا وما اشترط عذاب من يملأها بهم ولا نعيمهم وإن الجنة أوسع من النار بلا شك فإن عرضها السموات والأرض فما ظنك بطولها فهي للنار كمحيط الدائرة مما يحوي عليه وفي التنزلات الموصلية رسمناها وبيناها على ما هي عليه في نفسها في باب يوم الاثنين والنار عرضها قدر الخط البذي يميز قطري دائرة فلك الكواكب الثابتة فأين هذا الضيق من تل السعة وسبب هذا الاتساع جنات الاختصاص الإلهي فورد في الخبر أنه يبقى أيضا في الجنة أماكن ما فيها أحد فيخلق الله خلقا للنعيم يعمرها بهم وهو أن يضع الرحمن فيها قدمه وليس ذلك إلا في جنات الاختصاص فالحكم لله العلي الكبير يختص من يشاء برحمته والله ذو الفضل العظيم فمن كرمه أنه تعالى ما أنزل أهل النار إلا على أعمالهم خاصة وأما قوله تعالى ' زدناهم عذابا فوق العذاب ' فذلك لطائفة مخصوصة وهم الأئمة المضلون يقول تعالى ' وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم وهم الذين أضلوا العباد وأدخلوا عليهم الشبه المضلة فحادوا بها عن سواء السبيل فضلوا وأضلوا وقالوا لهم اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم يقول الله وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء وإنهم لكاذبون في هذا القول بل هم حاملون خطاياهم والذين أضلوهم يحملون أيضا خطاياهم وخطايا هؤلاء مع خطاياهم ولا ينقص هؤلاء من خطاياهم من شيء يقول صلى الله عليه وسلم من سن سنة سيئة فله وزرها ووزر من عمل بها دون أن ينقص ذلك من أوزارهم شيئا فهو قوله ' ثم ازدادوا كفرا ' فهرؤلاء قيل فيهم زدناهم عذابا فوق العذاب فما أنزلوا من النار إلا منازل استحقاق بخلاف الجنة فإن أهل الجنة أنزلوا فيها منازل استحقاق مثل الكفار في النار بأعمالهم وأنزلوا أيضا منازل وراثة ومنازل اختصاص وليس ذلك في أهل النار ولا بد لأهل النار من فضل الله ورحمته في نفس النار بعد انقضاء مدة موازنة أزمان العمل فيفقدون الإحساس بالآلام في نفس النار لأنهم ليسو بخارجين من النار أبدا فلا يموتون فيها ولا يحيون فتتخدر جوارحهم بإزالة الروح الحساس منها وثم طائفة يعطيهم الله بعد انقضاء موازنة المدد بين العذاب والعمل نعيما خياليا مثل ما يراه النائم وجلده كما قال تعالى ' كلما نضجت جلودهم ' هو كما قلنا خدرها فزمان النضج والتبديل يفقدون الآلم لأنه إذا انقضى زمان الإنضاج خمدت النار في حقهم فيكونون في النار كالأمة التي دخلتها وليست من أهلها فأماتهم الله فيها أمانة فلا يحسون بما تفعله النار في أبدانهم الحديث بكماله ذكره مسلم في صحيحه وهذا من فضل الله ورحمته وأما أبواب جهنم فقد ذكر الله من صفات أصحابها بعض ما ذكر ولكن من هؤلاء الأربع الطوائف الذين هم أهلها ومن خرج بالشفاعة أو العناية ممن دخلها فقد جاء ببعض ما وصف الله به من دخلها من الأسباب الموجبة لذلك وهي باب الجحيم وباب سقر وباب السعير وباب الحطمة وباب لظى وباب الحامية وباب الهاوية وسميت الأبواب بصفات ما وراءها مما أعدت له ووصف الداخلون فيها بما ذكر الله تعالى في مثل قوله في لظى أنها تدعو من أدبر وتولى وجمع فأوعى وقال ما يقول أهل سقر إذا قيل لهم ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين وكنا نكذب بيوم الدين وقال في أهل الجحيم أنه يكذب بيوم الدين وما يكذب به إلا كل معتد أثيم فوصفه بالأثم والاعتداء ثم قال فيهم ثم إنهم لصالوا الجحيم ثم يقال لهم هذا الذي كنتم به تكذبون وهكذا في الحطمة والسعير وغير ذلك مما جاء به القرآن أو السنة فهذا قد ذكرنا الأمهات والطبقات وأما مناسبات الأعمال لهذه المنازل فكثيرة جدا يطول الشرح فيها ولو شرعنا في ذلك طال علينا المدى فإن المجال رحب ولكن الأعمال مذكورة والعذاب عليها مذكور فمتى وقفت على شيء من ذلك وكنت على نور من ربك وبينة فإن الله يطلعك عليه بكرمه والذي شرطه في هذا الباب وترجمنا عليه إنما كان ذكر المراتب وقد ذكرناها وبيناها ونبهنا على مواضع يجول فيها نظر الناظر من كتابي هذا من الآيات التي استشهدنا بها في هذا الباب من أوله من أمر الله إبليس بما ذكر له فهل له من امتثال ذلك الأمر الإلهي أمر يعود عليه منه من حيث ما ممتثل أم لا وأشباه هذه التنبيهات إن وفقت لذلك عثرت على علوم جمة إلهية مما يختص بأهل الشقاء والنار وهذا القدر في هذا الباب كاف والله يقول الحق وهو يهدي السبيل .
الباب الثالث والستون في معرفة بقاء الناس في البرزخ بين الدنيا والبعث
بين القيامة والدنيا لذي نظر . . . مراتب برزخيات لها سور
تحوي على حكم ما قد كان صاحبها . . . قبل الممات عليه اليوم فاعتبروا
لها على الكل أقدام وسلطنة . . . تبدي العجائب لا تبقي ولا تذر
لها مجال رحيب في الوجود بلا . . . تقيد وهي لا عين ولا أثر
تقول للحق كن والحق خالقها . . . فكيف يخرج عن أحكامها بشر
فيها العلوم وفيها كل قاصمة . . . فيها الدلائل والإعجاز والعبر
لولا الخيال لكنا اليوم في عدم . . . ولا انقضى غرض فينا ولا وطر
كأن سلطانها إن كنت تعقلها . . . الشرع جاء به والعقل والنظر
مخ ۳۸۰