الفتوحات المکيه
الفتوحات المكية في معرفة الاسرار الملكية
خپرندوی
دار إحياء التراث العربي
د ایډیشن شمېره
الأولى
د چاپ کال
1418هـ- 1998م
د خپرونکي ځای
لبنان
سر إلهي قالت الملائكة وما منا إلا له مقام معلوم وهكذا كل موجود ما عدا الثقلين وإن كان الثقلان أيضا مخلوقين في مقامهما غير أن الثقلين لهما في علم الله مقامات معينة مقدرة عنده غيبت عنهما إليها ينتهي كل شخص منهما بانتهاء أنفاسه فآخر نفس هو مقامه المعلوم الذي يموت عليه ولهذا دعوا إلى السلوك فسلكوا علوا بإجابة الدعوة المشروعة وسفلا بإجابة الأمر الإرادي من حيث لا يعلمون إلا بعد وقوع المراد فكل شخص من الثقلين ينتهي في سلوكه إلى المقام المعلوم الذي خلق له ومنهم شقي وسعيد وكل موجود سواهما فمخلوق في مقامه فلم ينزل عنه فلم يؤمر بسلوك إليه لأنه فيه من ملك وحيوان ونبات ومعدن فهو سعيد عند الله لا شقاء يناله فقد دخل الثقلان في قول الملائكة وما منا إلا له مقام معلوم عند الله ولا يتمكن لمخلوق من العالم أن يكون له علم بمقامه إلا بتعريف إلهي لا بكونه فيه فإن كل ما سوى الله ممكن ومن شأن الممكن أن لا يقبل مقاما معينا لذاته وإنما ذلك لمرجحه بحسب ما سبق في علمه به والمعلوم هو الذي أعطاه العلم به ولا يعلم هو وما يكون عليه وهذا هو سر القدر المتحكم في الخلق إذ كان علم المرجح لا يقبل التغيير لاستحالة عدم القديم وعلمه بتعيين المقامات قديم فلذلك لا ينعدم وهذه المسئلة من أغمض المسائل العقلية ومما يدلك على أن علمه سبحانه بالأشياء ليس زائدا على ذاته بل ذاته هي المتعلقة من كونها علما بالمعلومات على ما هي المعلومات عليه خلافا لبعض النظار فإن ذلك يؤدي إلى نقص الذات عن درجة الكمال ويؤدي إلى أن تكون الذات قد حكم عليها أمر زائد أوجب لها ذلك الزائد حكما يقتضيه ويبطل كون الذات تفعل ما تشاء وتختار لا إله إلا هو العزيز الحكيم فتحقق هذه المسئلة وتفرغ إليها فإنها غامضة جدا في مسائل الحيرة لا يهتدي إليها عقل على الحقيقة من حيث فكره بل بكشف إلهي نبوي ثم نرجع ونقول إن جماعة من أصحابنا غلطت في هذه المسئلة لعدم الكشف فقالت بطريق القوة والفكر الفاسدان الكامل من بني آدم أفضل من الملائكة عند الله مطلقا ولم تقيد صنفا ولا مرتبة من المراتب التي تقع عليها الفضلية لمن هو فيها على غيره ثم عللت فقالت إن لبني آدم الترقي مع الأنفاس وليس للملائكة هذا فإنها خلقت في مقامها وما علمت الجماعة القائلة بهذا هذه الحقيقة التي نبهنا عليها والصحيح الترقي إن لنا وللملائكة ولغيرهم وهو لازم للكل دنيا وبرزخا وآخرة هذا لكل متصف بالموت في العلم ألا ترى الملائكة مع كونها لها مقامات معلومة لا تتعداها وما حرمت مزيد العلم فإن الله قد عرفنا أنه علمهم الأسماء على لسان آدم عليه السلام فزادهم علما إلهيا لم يكن عندهم بالأسماء الإلهية فسبحوه وقدسوه بها فساوتنا الملائكة في الترقي بالعلم لا بالعمل كما لا نترقى نحن بأعمال الآخرة لزوال التكليف فنحن وإياهم على السواء في ذلك في الآخرة فما ارتقينا نحن في الدنيا إلى المقام الذي قبضنا عليه وهو المقام الذي خلق فيه غيرنا ابتداء لشرفنا على غيرنا وإنما كان ذلك ليبلونا لا غير فلم يفهم القائلون بذلك ما أراده الله مع وجود النصوص في القرآن مثل قوله ليبلوكم أيكم أحسن عملا ولا يقال كونهم خلقوا على الصورة أدى إلى ذلك الابتلاء فإن الجان شاركونا في هذه المرتبة وليس لهم حظ في الصورة فاعلم والله الموفق وصل سر إليهي نهاية الدائرة مجاورة لبدايتها وهي تطلب النقطة لذاتها والنقطة لا تطلبها فصح نهاية أهل الترقي من العالم وصح افتقار العالم إلى الله وغنى الله عن العالم وتبين أنه كل جزء من العالم يمكن أن يكون سببا في وجود عالم آخر مثله لا أكمل منه إلى ما لا يتناهى فإن محيط الدائرة نقط متجاورة في أحياز متجاورة ليس بين حيزين حيز ثالث ولا بين النقطتين المفروضتين أو الموجودتين فيهما نقطة ثالثة لأنه لا حيز بينهما فكل نقطة يمكن أن يكون عنها محيط وذلك المحيط الآخر حكمه حكم المحيط الأول إلى ما لا نهاية له والنهاية في العالم حاصلة والغاية من العالم غير حاصلة فلا تزال الآخرة دائمة التكوين عن العالم فإنهم يقولون في الجنان للشيء يريدونه كن فيكون فلا يتوهمون أمرا ما ولا يخطر لهم خاطر في تكوين أمر ما إلا ويتكون بين أيديهم وكذلك أهل النار لا يخطر لهم خاطر خوف من عذاب أكبر مما هم فيه إلا تكون فيهم أو لهم ذلك العذاب وهوعين حصول الخاطر فإن الدار الآخرة تقتضي تكوين العالم عن العالم لكن حسا وبمجرد حصول الخاطر والهم والإرادة والتمني والشهوة كل ذلك محسوس وليس ذلك في الدنيا أعني من الفعل بالهمة لكل أحد وقد كان ذلك في الدنيا لغير الولي كصاحب العين والغرانية بإفريقية ولكن ما يكون بسرعة تكوين الشيء بالهمة في الدار الآخرة وهذا في الدار الدنيا نادر شاذ كقضيب البان وغيره وهو في الدار الآخرة للجميع فصدق قول الإمام أبي حامد ليس في الإمكان أبدع من هذا العالم لأنه ليس أكمل من الصورة التي خلق عليها الإنسان الكامل فلو كان لكان في العالم ما هو أكمل من الصورة التي هي الحضرة الإلهية وصل سر إلهي كل خط يخرج من النقطة إلى المحيط مساو لصاحبه وينتهي إلى نقطة من المحيط بذاتها إذ لو كان ما تقابل به نقطة من المحيط غير ما تقابل به نقطة أخرى لانقسمت ولم يصح أن تكون واحدة وهي واحدة فما قابلت النقط كلها على كثرتها إلا بذاتها فقد ظهرت الكثرة عن الواحد العين ولم يتكثر هو في ذاته فبطل قول من قال إنه لا يصدر عن الواحد إلا واحد فذلك الخط الخارج من النقطة إلى النقطة الواحدة من المحيط هو الوجه الحاصل الذي لكل موجود من خالقه سبحانه وهو قوله ' إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون فالإرادة هنا هو ذلك الخط الذي فرضناه خارجا من نقطة الدائرة إلى المحيط وهو التوجه الإلهي الذي عين تلك النقطة في المحيط بالإيجاد لأن ذلك المحيط هو عين دائرة الممكنات والنقطة التي في الوسط المعينة لنقطة الدائرة المحيطة هي الواجب الوجود لنفسه وتلك الدائرة المفروضة دائرة أجناس الممكنات وهي محصورة في جوهر متحيز وجوهر غير متحيز وأكوان وألوان والذي لا ينحصر وجود الأنواع والأشخاص وهو ما يحدث من كل نقطة من كل دائرة من الدوائر فإنه يحدث فيها دوائر الأنواع وعن دوائر الأنواع دوائر أنواع وأشخاص فاعلم ذلك والأصل النقطة الأولى لهذا كله وذلك الخط المتصل من النقطة إلى النقطة المعينة من محيطها يمتد منها إلى ما يتولد عنها من النقط في نصف الدائرة الخارجة عنها وعن ذلك النصف تخرج دوائر كاملة وعلة ذلك الامتياز بين الواجب الوجود لنفسه وبين الممكن فلا يتمكن أن يظهر عن الممكن الذي هو دائرة الأجناس دائرة كاملة فإنها كانت تدخل بالمشاركة فيما وقع به الامتيارز وذلك محال فتكوين دائرة كاملة من الأجناس محال ليتبين نقص الممكن عن كمال الواجب الوجود لنفسه وصورة الأمر فيها هكذا صورة شكل الأجناس والأنواع من غير قصد للحصر إذ للأنواع أنواع حتى ينتهي إلى النوع الأخير كما ينتهي إلى جنس الأجناس واعلم أن لنفوس الثقلين ونفوس الحيوان قوتين قوة علمية وقوة عملية عند أهل اللكشف وقد ظهر ذلك في العموم من الحيوان كالنحل والعناكب والطيور التي تتخذ الأوكار وغيرهم من الحيوانات ولنفوس الثقلين دون سائر الحيوان قوة ثالثة ليست للحيوان ولا للنفس الكلية وهي القوة المفكرة فيكتسب بعض العلوم من الفكر هذا النوع الإنساني ويشارك سائر العالم في بأخذ العلوم من الفيض الإلهي وبعض علومها كالحيوان بالفطرة كتلقي الطفل ثدي أمه للرضاعة وقبوله للبن وليس لغير الإنسان اكتساب علوم تبقى معه من طريق فكر فالفكر من الإنسان بمنزلة الحقيقة الإلهية المنصوص عليها بقوله تعالى يدبر الأمر يفصل الآيات وقوله تعالى في الخبر الصحيح عنه ما ترددت في شيء أنا فاعله وليس للعقل الأول هذه الحقيقة ولا للنفس الكلية فهذا أيضا مما اختص به الإنسان من الصورة التي لم يخلق غيره عليها ونحن نعلم أن الإنسان الكامل موجود على الصورة ونحن تقطع أنه ما أوجد الله غير الإنسان على ذلك فإنه ما ورد وقوع ذلك ولا عدم وقوعه لا على لسان نبي ولا في كتاب منزل وإن غلط في ذلك جماعة فإنهم لم يستندوا فيه إلى تعريف إلهي وإنما يحتجون بالخبر وليس في الخبر ما يدل على أن غير الإنسان الكامل ما خلق على الصورة ويمكن صحة ذلك ويمكن عدم صحته وصل سر إلهي الطبيعة بين النفس والهباء وهو رأي الإمام أبي حامد ولا يمكن أن تكون مرتبتها إلا هنالك فكل جسم قبل الهباء إلى آخر موجود من الأجسام فهو طبيعي وكل ما تولد من الأجسام الطبيعية من الأمور والقوى والأرواح الجزئية والملائكة والأنوار فللطبيعة فيها حكم إلهي قد جعله الله تعالى وقدره فحكم الطبيعة من الهباء إلى ما دونه وحكم النفس الكلية من الطبيعة فما دونها وما فوق النفس فلا حكم للطبيعة ولا للنفس فيه وفيما ذكرناه خلاف كثير بين أصحاب النظر من غير طريقنا من الحكماء فإن المتكلم لا حظ له في هذا العلم من كونه متكلما بخلاف الحكيم فإن الحكيم عبارة عمن جمع العلم الإلهي والطبيعي والرياضي والمنطقي وما ثم إلا هذه الأربع المراتب من العلوم وتختلف الطريق في تحصيلها بين الفكر والوهب وهو الفيض الإلهي وعليه طريقة أصحابنا ليس لهم في الفكر دخول لما يتطرق إليه من الفساد والصحة فيه مظنونة فلا يوثق بما يعطيه وأغنى بأصحابنا أصحاب القلوب والمشاهدات والمكاشفات لا العباد ولا الزهاد ولا مطلق الصوفية إلا أهل الحقائق والتحقيق منهم ولهذا يقال في علوم النبوة والولاية إنها وراء طور العقل ليس للعقل فيها دخول بفكر لكن له القبول خاصة عند السليم العقل الذي لم يغلب عليه شبهة خيالية فكرية يكون من ذلك فساد نظره وعلوم الأسرار كثيرة والله يقول الحق وهو يهدي السبيل .
الباب الثامن والأربعون في معرفة إنما كان كذا لكذا وهو إثبات العلة
والسبب
إنما كان هكذا لكذا . . . علم من حاز رتبة الحكم
لا تعلل وجود خالقنا . . . فيكن سيركم إلى العدم
مخ ۳۳۰