الفتوحات المکيه

ابن عربي d. 638 AH
161

الفتوحات المکيه

الفتوحات المكية في معرفة الاسرار الملكية

خپرندوی

دار إحياء التراث العربي

د ایډیشن شمېره

الأولى

د چاپ کال

1418هـ- 1998م

د خپرونکي ځای

لبنان

لهم نظرة لا يعرف الغير حكمها . . . لهم سطوة في كل تاج مكلل اعلم أيدك الله بروح منه أن الله جعل الليل لأهله مثل الغيب لنفسه فكما لا يشهد أحد فعل الله في خلقه لحجاب الغيب الذي أرسله دونهم كذلك لا يشهد أحد فعل أهل الليل مع الله في عبادتهم لحجاب ظلمة الليل التي أرسلها الله دونهم فهم خير عصبة في حق الله وهم شر فتية في حق أنفسهم ليسوا بأنبياء تشريع لما ورد من غلق باب النبوة ولا يقال في واحد منهم عندهم أنه ولي لما فيه من المشاركة مع اسم الله فيقال فيهم أولياء ولا يقولون ذلك عن أنفسهم وإن بشروا فجعل الليل لباسا لأهله يلبسونه فيسترهم هذا اللباس عن أعين الأغيار يتمتعون في خلواتهم الليلية بحبيبهم فيناجونه من غير رقيب لأنه جعل النوم في أعين الرقباء سباتا أي راحة لأهل الليل إلهية كما هو راحة للناس طبيعية فإذا نام الناس استراح هؤلاء مع ربهم وخلوا به حسا ومعنى فيما يسألونه من قبول توبة وإجابة دعوة ومغفرة حوبة وغير ذلك فنوم الناس راحة لهم وأن الله تعالى ينزل غليهم بالليل إلى السماء الدنيا فلا يبقى بينه وبينهم حجاب فلكي ونزوله إليهم رحمة بهم ويتجلى من سماء الدينا عليهم كما ورد في الخبر فيقول كذب من ادعى محبتي فإذا جنه الليل نام عني أليس كل محب يطلب الخلوة بحبيبه هأناذا قد تجليت لعبادي هل من داع فاستجيب له هل من نائب فأتوب عليه هل من مستغفر فاغفر له حتى ينصدع الفجر فأهل الليل هم الفائزون بهذه الخطوة في هذه الخلوة وهذه المسامرة في محاريبهم فهم قائمون يتلون كلامه ويفتحون أسماعهم لما يقول لهم في كلامه إذا قال يا أيها الناس يصغون ويقولون نحن الناس ما تريد منا يا ربنا في ندائك هذا فيقول لهم عز وجل على لسانهم بتلاوتهم كلامه الذي أنزله اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم يا أيها الناس يقولون لبيك ربنا يقول لهم اتقوا ربكم الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فاخرج به من الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون فيقولون يا ربنا تخاطبتنا فسمعنا وفهمتنا ففهمنا فيا ربنا وفقنا واستعملنا فيما طلبته منا من عبادتك وتقواك إذ لا حول لنا وقوة إلا بك ومن نحن تحتى تنزل إلينا من علو جلالك وتنادينا وتسألنا وتطلب منا أيها الناس يقولون لبيك إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدينا فيقولون يا ربنا أسمعتنا فسمعنا وأعلمتنا فعلمنا فاعصمنا وتعطف علينا فالمنصور من نصرته والمؤيد من أيدته والمخذول من خذلته يا أيها الإنسان فيقول الإنسان منهم لبيك يارب ما غرك بربك الكريم فيقول كرمك يا رب فيقول صدقت يا أيها الذين آمنوا فيقولون لبيك ربنا اتقوا الله حق تقاته اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يقولون وأي قول لنا إلا ما تقولنا وهل لمخلوق حول أو قوة إلا بك فاجعل نطقنا ذكرك وقولنا تلاوة كتابك يأيها الذين آمنوا فيقولون لبيك ربنا فيقول تعالى عليكم أنفسكم أفلا تبصرون وقلت سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق والآيات ليست مطلوبة إلا لما تدل عليه وأنت مدلولها فكانك تقول في قولك عليكم أنفسكم أي الزمونا وثابروا علينا وألظوا بنا ثم قلت لا يضركم من ضل أي حار وتلف حين طلبنا بفكر فاراد أن يدخلنا تحت حكم نظره وعقله إذا اهتديتم بما عرفتكم به مني في كتابي وعلى لسان رسولي فعرفتموني بما وصفت لكم به نفسي فما عرفتموني إلا بي فلم تضلوا فكانت لكم هدايتي وتقريبي نورا تمشون به على صراطنا المستقيم فلا يزال دأب أهل الليل هكذا مع الله في كل آية يقرؤنها في صلاتهم وفي كل ذكر يذكرونه به حتى ينصدع الفجر قال محمد بن عبد الجبار النفري وكان من أهل الليل أقفني الحق في موقف العلم وذكر رضي الله عنه ما قال له الحق في موقفه ذلك فكان من جملة ما قال له في ذلك الموقف يا عبدي الليل لي لا القرآن يتلى الليل لي لا للمحمدة والثناء يقول الله تعالى إن لك في النهار سبحا طويلا فاجعل الليل لي كما هو لي فإن في الليل نزولي فلا أراك في النهار في معاشك فإذا جاء الليل وطلبتك ونزلت إليك وجدتك نائما في راحتك وفي عالم حياتك وما ثم ثم إلا ليل ونهار فلا في النهار في معاشك فإذا جاء الليل وطلبتك ونزلت إليك وجدتك نائما في راحتك وفي عالم حياتك وما ثم إلا ليل ونهار فلا في في النهاار في معاشك فإذا جاء الليل وطلبتك ونزلت إليك فيه لا ناجيك وأسامرك واقضى حوائجك فوجدتك قد نمت عني وأسأت الدب معي مع دعواك محبتي وإيثار جنابي فقم بين يدي وسلني حتى أعطيك مسألتك وما طلبتك لتتلو القرآن فتقف مع معانيه فإن معانيه تفرقك عني فآية تمشي بك في جنتي وما أعددت لأوليائي فيها فأين أنا إذا كنت أنت في جنتي مع الحور المقصورات في الخيام كأنهن الياقوت والمرجان متكئا على فرش بطانتها من استبرق وجني الجنتين دان تسقي من رحيق محتوم مزاجه من تسنيم وآية توقفك مع ملائكتي وهم يدخلون عليك من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار وآية تستشرف بك على جهنم فتعايم ما أعددت فيها لمن عصاني واشرك بي من سموم وحميم وظل من يحموم لا بارد ولا كريم وترى الحطمة وما أدراك الحطمة نار الله الموقدة التي تطلع على الفئدة أنها عليهم مؤصدة أي مسلطة في عمدة مددة أين أنا يا عبدي إذا تلوت هذه الآية وأنت بخاطرك وهمتك في الجنة تارة وفي جهنم تارة ثم تتلوا آية فتمشى بك في القارعة وما أدراك ما القارعة يوم يكون الناس كالفراش المبثوث وتكون الجبال كالعهن المنفوش يوم تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد وترى في ذلك اليوم من هذه الآية يفر المرؤ من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل امرىء منهم يؤمئذ شأن يغنيه وترى العرش في ذلك اليوم تحمله ثمانية أملاك وفي ذلك اليوم تعرضون فأين أنا والليل لي فها أنت يا عبدي في النهار في معاشك وفي الليل فيما تعطيه تلاونك من جنة ونار وعرض فأنت بين آخرة ودنيا برزخ فما تركت لي وقتا تخلو بي فيه إلا جعلته لنفسك والليل يا عبدي لا للمحمدة والثناء ثم تتلوا آية أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين فتشاهدهم في تلاوتك وتفكر في مقاماتهم وأحوالهم وما أعطيت المؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات فوقفت بالثناء والمحمدة مع كل طائفة أثنيت عليهم في كتابي فأين أنا وأين خلوتك بي ما عرفني ولا عرف مقدار قولي الليل لي وما عرف لماذا نزلت إليك بالليل إلا العارف المحقق الذي لقيه بعض إخوانه فقال له يا أخي اذكرني في خلوتك بربك فأجابه ذلك العبد نفقال إذا ذكرتك فلست معه في خلوة فمثل ذلك عرف قدر نزولي إلى السماء الدنيا بالليل ولماذا نزلت ولمن طلبت فأنا أتلو كتابي عليه بلسانه وهو يسمع فتلك مسامرتي وذلك العبد هو الملتذ بكلامي فإذا وقف مع معانيه فقد خرج عني بفكره وتأمله فالذي ينبغي له أن يصغي إلي ويخلي سمعه لكلامي حتى أكون أنا في تلك التلاوة كما تلوت عليه وأسمعته أكون أنا الذي أشرح له كلامي وأترجم له عن معناه فتلك مسامرتي معه فيأخذ العلم مني لا من فكره واعتباره فلا يبالي بذكر جنة ولا نار ولا حساب ولا عرض ولا دنيا ولا آخرة فإنه ما نظرها بعقله ولا بحث عن الآية بفكره وإنما ألقى السمع لما أقوله له وهو شهيد حاضر معي أتولى تعليمه بنفسي فأقول له يا عبدي أردت بهذه الآية كذا وكذا وبهذه الآية الأخرى كذا وكذا هكذا إلى أن ينصدع الفجر فيحصل من العلوم على يقين ما لم يكن عنده فإنه مني سمع القرآن ومني سمع شررحه وتفسير معانيه وما أردت بذلك الكلام وبتلك الآية والسورة فيكون حسن الأدب معي في استماعه واصاخته فإن طالبته بالمسامرة في ذلك فيجيبني بحضور ومشاهدة يعرض علي جيمع ما كلمته به وعلمته إياه فإن كان أخذه على الإستيفاء وإلا فنجبر له ما نقصه من ذلك فيكون لي لا له ولا لمخلوق فمثل هذا العبد هو لي والليل بيني وبينه فإذا انصدع الفجر استويت على عرشي أدبر الأمر أفصل الآيات ويمشي عبدي إلى معاشه وإلى محادثة إخوانه وقد فتحت بيني وبينه بابا في خلقي ينظر إلي منه وأنظر إليه منه والخلق لا يشعرون فأخدثه على ألسنتهم وهم لا يعرفون ويأخذ مني على بصيرة وهم لا يعلمون فيحسبون أنه يكلمهم وما يكلم سواي ويظنون أنه يجيبهم وما يجيب إلا إياي كما قال بعض أصحاب هذه الصفةقد نمت عني وأسأت الدب معي مع دعواك محبتي وإيثار جنابي فقم بين يدي وسلني حتى أعطيك مسألتك وما طلبتك لتتلو القرآن فتقف مع معانيه فإن معانيه تفرقك عني فآية تمشي بك في جنتي وما أعددت لأوليائي فيها فأين أنا إذا كنت أنت في جنتي مع الحور المقصورات في الخيام كأنهن الياقوت والمرجان متكئا على فرش بطانتها من استبرق وجني الجنتين دان تسقي من رحيق محتوم مزاجه من تسنيم وآية توقفك مع ملائكتي وهم يدخلون عليك من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار وآية تستشرف بك على جهنم فتعايم ما أعددت فيها لمن عصاني واشرك بي من سموم وحميم وظل من يحموم لا بارد ولا كريم وترى الحطمة وما أدراك الحطمة نار الله الموقدة التي تطلع على الفئدة أنها عليهم مؤصدة أي مسلطة في عمدة مددة أين أنا يا عبدي إذا تلوت هذه الآية وأنت بخاطرك وهمتك في الجنة تارة وفي جهنم تارة ثم تتلوا آية فتمشى بك في القارعة وما أدراك ما القارعة يوم يكون الناس كالفراش المبثوث وتكون الجبال كالعهن المنفوش يوم تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد وترى في ذلك اليوم من هذه الآية يفر المرؤ من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل امرىء منهم يؤمئذ شأن يغنيه وترى العرش في ذلك اليوم تحمله ثمانية أملاك وفي ذلك اليوم تعرضون فأين أنا والليل لي فها أنت يا عبدي في النهار في معاشك وفي الليل فيما تعطيه تلاونك من جنة ونار وعرض فأنت بين آخرة ودنيا برزخ فما تركت لي وقتا تخلو بي فيه إلا جعلته لنفسك والليل يا عبدي لا للمحمدة والثناء ثم تتلوا آية أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين فتشاهدهم في تلاوتك وتفكر في مقاماتهم وأحوالهم وما أعطيت المؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات فوقفت بالثناء والمحمدة مع كل طائفة أثنيت عليهم في كتابي فأين أنا وأين خلوتك بي ما عرفني ولا عرف مقدار قولي الليل لي وما عرف لماذا نزلت إليك بالليل إلا العارف المحقق الذي لقيه بعض إخوانه فقال له يا أخي اذكرني في خلوتك بربك فأجابه ذلك العبد نفقال إذا ذكرتك فلست معه في خلوة فمثل ذلك عرف قدر نزولي إلى السماء الدنيا بالليل ولماذا نزلت ولمن طلبت فأنا أتلو كتابي عليه بلسانه وهو يسمع فتلك مسامرتي وذلك العبد هو الملتذ بكلامي فإذا وقف مع معانيه فقد خرج عني بفكره وتأمله فالذي ينبغي له أن يصغي إلي ويخلي سمعه لكلامي حتى أكون أنا في تلك التلاوة كما تلوت عليه وأسمعته أكون أنا الذي أشرح له كلامي وأترجم له عن معناه فتلك مسامرتي معه فيأخذ العلم مني لا من فكره واعتباره فلا يبالي بذكر جنة ولا نار ولا حساب ولا عرض ولا دنيا ولا آخرة فإنه ما نظرها بعقله ولا بحث عن الآية بفكره وإنما ألقى السمع لما أقوله له وهو شهيد حاضر معي أتولى تعليمه بنفسي فأقول له يا عبدي أردت بهذه الآية كذا وكذا وبهذه الآية الأخرى كذا وكذا هكذا إلى أن ينصدع الفجر فيحصل من العلوم على يقين ما لم يكن عنده فإنه مني سمع القرآن ومني سمع شررحه وتفسير معانيه وما أردت بذلك الكلام وبتلك الآية والسورة فيكون حسن الأدب معي في استماعه واصاخته فإن طالبته بالمسامرة في ذلك فيجيبني بحضور ومشاهدة يعرض علي جيمع ما كلمته به وعلمته إياه فإن كان أخذه على الإستيفاء وإلا فنجبر له ما نقصه من ذلك فيكون لي لا له ولا لمخلوق فمثل هذا العبد هو لي والليل بيني وبينه فإذا انصدع الفجر استويت على عرشي أدبر الأمر أفصل الآيات ويمشي عبدي إلى معاشه وإلى محادثة إخوانه وقد فتحت بيني وبينه بابا في خلقي ينظر إلي منه وأنظر إليه منه والخلق لا يشعرون فأخدثه على ألسنتهم وهم لا يعرفون ويأخذ مني على بصيرة وهم لا يعلمون فيحسبون أنه يكلمهم وما يكلم سواي ويظنون أنه يجيبهم وما يجيب إلا إياي كما قال بعض أصحاب هذه الصفة يا مؤنسي بالليل إن هجع الورى . . . ومحدثي من بينهم بنهاري وإذ قد أبنت لك عن أهل الليل كيف ينبغي أن يكونوا في ليلهم فإن كنت منهم فقد علمتك الأدب الخاص بأهل الله وكيف ينبغي لهم أن يكونوا مع الله واعلم أنه تختلف طبقاتهم في ذلك فالزاهد حاله مع الله في ليله من مقام زهده والمتوكل حاله مع الله من مقام توكله وكذلك صاحب كل مقام ولكل مقام لسان هو الترجمان الإلهي فهم متباينون في المراتب بحسب الأحوال والمقامات وأقطاب أهل الليل هم أصحاب المعاني المجردة عن المواد المحسوسة والخيالية فهم واقفون مع الحق بالحق على الحق من غير حد ولا نهاية ووجود ضد ومن أهل الليل من يكون صاحب عروج وارتقاء ودنو فيتلقاه الحق في الطريق وهو نازل إلى السماء الدنيا فيتدلى إليه فيضع كنفه عليه وكل همة من كل صاحب معراج يتلقاها الحق في ذلك النزول حيث وجدها فمن الهممم من يلقاها الحق في السماء الدنيا ومنها من يلقاها في الثانية وفيما بينهما وفي الثالثة وفيما بينهما وفي الرابعة وفيما بينهما وفي الخامسة وفيما بينهما وفي السادسة وفيما بينهما وفي السابعة وفيما بينهما وفي الكرسي وفيما بينهما وفي العرش في أول النزول وفيما بينهما وهو مستوى الرحمن فيعطي لتلك الهمة من المعاني والمعارف والأسرار بحسب المنزل الذي لقيته فيه ثم تنزل معه إلى السماء الدنيا فتقف الهمم بين يديه ويستشرف الحق على من بقي من الهمم من أهل الليل في محاريبهم وما عرجت فيلقي إليهم الحق تعالى بحسب ما يسألونه في صلاتهم ودعائهم وهم في بيوتهم وفي محاريبهم فتسمع تلك الهمم التي لقيتهه في طريقها ما يكون منه جل جلاله إلى أولئك العبيد فيستفيدون علوما لم تكن عندهم فإنه قد يخطر لهؤلئك الذين ما صعدت هممهم من السؤال للحق في المعارف والأسرار ما لم يكن في قوة هذه الهمم أن تسألها لقصورها عنها فإذا سمعوا الجواب من الحق الذي يجيب به أولئك القوم الذين في محاريبهم وما اخترقت هممهم سماء ولا فلكا فيحصل لهم من العلم بالله بقدر ما سأل عنه أولئك الأقوام وثم همم أخر ارتقت فوق العرش إلى مرتبة النفس فقد نجد الحق هناك وجود تنزيه ما هو وجودها له مثل وجودها له في عالم المساحة والمقدار فيشاهدون مقاما أنزه ومنزلا أقدس وبينية لا يحدها التقدير ولا يأخذها التصوير فبينيتها بينية تمييز علوم ومراتب فهوم ومن الهمم من يلقاه في العقل الأول ومن الهمم ما تلقاه في المقربين من الأرواح المهيمة ومن الهمم ما تلقاه في العماء ومن الهمم من تلقاه في الأرض المخلوقة من بقية طينة آدم عليه السلام فإذا لقيته هذه الهمم في هذه المراتب أعطاها على قدر تعطشها من المقام الذي بعثها على الترقي إلى هذه المراتب وينزلون معه إلى السماء الدنيا وعلى الحقيقة هو ينزلهم إلى السماء الدنيا وينزل معهم فيستفيدون من العلوم التي يهبها الحق لتلك الهمم التي ما تعدت العرش هكذا كل ليلة ثم تنزل هذه الهمم وقد عرفت ما أكرمها به الحق فاجتمعت بالهمم التي ما برحت من مكانها فوجدتها على طبقات فمنهم من وجد عندهم من العلوم التي لم تتقيد بترق وكان الحق أقرب إليها من حبل الوريد حين كان مع أولئك في العماء وفي السماء الدنيا وما بينهما قال تعالى وهو معكم أينما كنتم فهو مع كل همة حيث كانت ويجدون همما أرضية قد تقدست عن الأينية وعن مراتب العقول فلم تتقيد بحضرة فتنال من العلوم التي تليق بهذه الصفة التي وهبهم اح منها ما حصلوا عليه من المعارف ما يبهت أولئك الهمم وهي من علوم الإطلاق الخارجة عن الحصر الأيني الفلكي وعن الحصر الروحاني العقلي فهم مع كونهم في ظلمة الطبيعة على نور أضاءت به تلك الظلمة لوجود المشاهدة وهؤلاء هم الذين يعرفون أن إدراك الأشياء المرئية إنما هو من اجتماع نور البصر مع نور الجسم المستنير شمسا كان أو سراجا أو ما كان فتظهر المبصرات فلو فقد الجسم المستنير ما ظهر شيء ولو فقد البصر ما أضاء شيء مما يدركه البصر مع النور الخارج أصلا ألا ترى صاحب الكشف إذا أظلم الليل وانغلق عليه باب بيته ويكون معه في تلك الظلمة شخص آخر وقد تساويا في عدم الكشف للمبصرات فيكون أحدهم ممن يكشف له في أوقات فيتجلى له نور يجتمع ذلك النور مع نور البصر فيدرك ما في ذلك البيت المظلم مما أراد الله أن يكشف له منه كله أو بعضه يراه مثل ما يراه بالنهار أو بالسراج ورفيقه الذي هو معه لا يرى إلا الظلمة غير ذلك لا يراه فإن ذلك النور ما تجلى له حتى يجتمع بنور بصره فينفر حجاب الظلمة فلو لم يكن الأمر كما ذكرناه لكان صاحب هذا الكشف مثل صاحبه لا يدرك شيأ أو يكون رفيقه مثله يدرك الأشياء فيكون إما من أهل الكشف مثله أو يدركه بنور العلم فإن المكاشف يدركه بنور الخيال كما يدركه النائم ورفيقه إلى جانبه مستيقظ لا يرى شيأ كذلك صاحب الكشف ولو سألت صاحب الكشف هل ترى ظلمة في حال كشفلك لقال لا بل يقول أنارت البقعة حتى قلت إن الشمس ما غابت فأدركت المبصرات كما أدركها نهارا وهذه المسئلة ما رأيت أحدا نبه عليها إلا إن كان وما وصل إلي فالكون كله في أصله مظلم فلا يرى إلا بالنورين فإنه يحدث هذا الأمر ونظيره الذي يؤيده إيجاد العالم فإنه من حيث ذاته عدم ولا يكتسب الوجود إلا من كونه قابلا وذلك لإمكانه واقتدار الحق المخصص المرجح وجوده على عدمه فلو زال القبول من الممكن لكان كالمحال لا يقبل الإيجاد وقد اشترك المحال والممكن قبل الترجيح بالوجود في العدم كما أنه مع قبوله لو لم يكن اقتدار الحق ما وجد عين هذا المعدوم الذي هو الممكن فلم تظهر الأعيان المعدومة للوجود إلا بكونها قابلة وهو مثل نور البصر وكون الحق قادرا وهو مثل نور الجسم النير فظهرت الأعيان كما ظهرت المبصرات بالنورين فكما أن الممكن لايزال قابلا والحق مقتدرا ومريدا فينحفظ على الممكن إبقاء الوجود إذ له من ذاته العدم كذلك الباصر لايزال نور بصره في بصره والشمس متجلية في نورها فتحفظ الأبصار المتعلق بالمبصرات وهي من ذاتها أعني المبصرات غير منورة بل هي مظلمة فاعقل إن كنت تعقل فهذا الأمر أصل ضلال العقلاء وهم لا يشعرون لما لم يعقلوه وهو سر من أسرار الله تعالى جهله أهل النظر ومن هذه المسئلة يتبين لك قدم الحق وحدوث الخلق لكن على غير الوجه الذي يعقله أهل الكلام وعلى غير الوجه الذي تعقله الحكماء باللقب لا بالحقيقة فإن الحكماء على الحقيقة هم أهل الله الرسل والأنبياء والأولياء إلا أن الحكماء باللقب أقرب إلى العلم من غيرهم حيث لم يعقلوا الله إلا إلها وأهل الكلام من النظار ليس كذلك فأقطاب أهل الليل من يكون الليل في حقهم كالنهار كشفا وشغلا قال تعالى وإنكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل أفلا تعقلون أي تعلمون منهم في الصباح ما تعلمون منهم في الليل إذ كان ليلا عند غيرهم ممن ليس له مقام الكشف بالليل كما لصاحب النور فالليل والصباح عنده سواء فهذا معنى قوله أفلا تعقلون فإن ادعت لك نفسك أنك من أهل الليل فانظر هل لها قدم وشكف فيما ذكرت لك فهو المحك والمعيار ولكل ليل في القرآن أمور وعلوم لا يعرفها إلا أهل الليل خاصة والله يقول الحق وهو يهدي السبيل .

الباب الثاني والأربعون في معرفة الفتوة والفتيان ومنازلهم وطبقاتهم

وأسرار أقطابهم

وفتيان صدق لا ملالة عندهم . . . لهم قدم في كل فضل ومكرمه

مقسمة أحوالهم في جليسهم . . . فهم بين توقير لقوم ومرحمه

وإن جاء كفؤ آثروه ببرهم . . . ولا تلحق الفتيان في ذاك مندمه

لهم من خفايا العلم كل شعيرة . . . وما هو موسوم لديهم بسمسمه

كنجل قسي والذي كان قبله . . . ومن كان منهم ممن الله أعلمه

بذلك حازوا السبق في كل حلبة . . . فليس يجيبون السفيه بلفظ منه

بميمنة خصوا تعالى مقامها . . . وليس لها ضد يسمى بمشأمه

فكلتا يدي ربي يمين كريمة . . . وإن كريم القوم من كان أكرمه

مخ ۳۰۷