شهاب، قال: حدثنى عبد الرحمن بن عبد القارىّ، أن رسول الله صلّى الله عليه واله قام ذات يوم على المنبر فحمد الله وأثنى عليه، وتشهد، ثم قال: أمّا بعد فإنى أريد أن أبعث بعضكم إلى ملوك العجم فلا تختلفوا علىّ كما اختلفت بنو إسرائيل على عيسى بن مريم، وذلك أن الله ﵎ أوحى إلى عيسى أن ابعث إلى ملوك الأرض فبعث الحواريّين، فأما القريب مكانا فرضى، وأما البعيد مكانا فكره، وقال: لا أحسن كلام من تبعثنى إليه، فقال عيسى: اللهمّ أمرت الحواريّين بالذى أمرتنى فاختلفوا علىّ؛ فأوحى الله إليه إنى سأكفيك، فأصبح كل إنسان منهم يتكلّم بلسان الذي وجه إليهم «١» .
فقال المهاجرون: يا رسول الله، والله لا نختلف عليك أبدا فى شىء، فمرنا وابعثنا، فبعث حاطب بن أبى بلتعة إلى المقوقس صاحب الإسكندرية، وشجاع بن وهب الأسدى [إلى الحارث بن أبى شمر الغسانى، وعبد الله بن أبى حذافة السهمى «٢»] إلى كسرى، وبعث دحية بن خليفة إلى قيصر، وبعث عمرو بن العاص إلى ابنى الجلندى أميرى عمان، ثم ذكر الحديث.
ثم رجع إلى حديث هشام بن إسحاق وغيره، قال: فمضى حاطب بكتاب رسول الله صلّى الله عليه واله، فلما انتهى إلى الإسكندرية وجد المقوقس فى مجلس مشرف على البحر، فركب البحر؛ فلما حاذى مجلسه، أشار بكتاب رسول الله صلّى الله عليه واله، بين إصبعيه فلما رآه أمر بالكتاب فقبض، وأمر به فأوصل إليه، فلما قرأ الكتاب قال: ما منعه إن كان نبيا أن يدعو علىّ فيسلّط علىّ! فقال له، حاطب: ما منع عيسى بن مريم أن يدعو على من أبى عليه أن يفعل به ويفعل! فوجم ساعة، ثم استعادها فأعادها عليه حاطب، فسكت، فقال له حاطب: إنه قد كان قبلك رجل زعم أنه الربّ الأعلى فانتقم الله به ثمّ انتقم منه؛ فاعتبر بغيرك ولا يعتبر بك. وإنّ لك دينا لن تدعه إلا لما هو خير منه، وهو الإسلام الكافى الله به فقد ما سواه، وما بشارة موسى بعيسى إلا كبشارة عيسى بمحمد، وما دعاؤنا إياك إلى القرآن إلا كدعائك أهل التوراة إلى الإنجيل، ولسنا ننهاك عن دين المسيح، ولكنّا نأمرك به، ثم قرأ الكتاب:
بسم الله الرّحمن الرحيم، من محمد رسول الله، إلى المقوقس عظيم القبط، سلام
1 / 66