صلى الله عليه وسلم المعنى الذي قصد به (1) في التحبب إليه ما لم يكن يؤثر حبه . فعلمه الله ما لم يكن يعلم وكان فضل الله عليه عظيما . فغلب التأنيث على التذكير بقوله ثلاث بغير هاء . فما أعلمه صلى الله عليه وسلم بالحقائق وما أشد رعايته للحقوق !ثم إنه جعل الخاتمة نظيرة الأولى في التأنيث وأدرج بينهما المذكر(2) . فبدأ بالنساء وختم بالصلاة وكلتاهما تأنيث ، والطيب بينهما كهو في وجوده ، فإن الرجل مدرج بين ذات ظهر عنها وبين امرأة ظهرت عنه ، فهو بين مؤنثين : تأنيث ذات وتأنيث حقيقي . كذلك النساء تأنيث حقيقي والصلاة تأنيث غير حقيقي ، والطيب مذكر بينهما كآدم بين الذات الموجود عنها(3) وبين حواء الموجودة عنه (105 -ب ) وإن شئت قلت الصفة فمؤنثة ايضا ، وإن شئت قلت القدرة فمؤنثة أيضا . فكن على أي مذهب شئت فانك لا تجد إلا التأنيث يتقدم حتى عند أصحاب العلة الذين(4) جعلوا الحق علة في وجود العالم. والعلة مؤنثة . وأما حكمة الطيب وجعله بعد النساء ، فلما في النساء 15 من روائح التكوين ، فإنه أطيب الطيب عناق الحبيب . كذا قالوا في المثل السائر. ولما خلق عبدا بالاصالة لم يرفع رأسه قط إلى السيادة ، بل لم يزل ساجدأ(5) واقفا مع كونه منفعلا حتى كون الله عنه ما كون . فأعطاه رتبة الفاعلية في عالم الأنفاس التي هي الأعراف (6) الطيبة . فحبب إليه الطيب : فلذلك جعله بعد النساء . فراعى الدرجات التي للحق في قوله (7) " رفيع الدرجات ذو العرش" لاستوائه عليه باسمه الرحمن . فلا يبقى فيمن حوى عليه العرش من لا تصيبه الرحمة الإلهية : وهو قوله تعالى "ورحمتي وسعت كل شيء" :
مخ ۲۲۰