الله سبحانه ذكر شيئين ثم عبر عن أحدهما بالكناية فكانت الكناية عنهما دون أن تختص بأحدهما وهو مثل قوله سبحانه: * (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله) * (1) فأورد لفظ الكناية عن الفضة خاصة وإنما أرادهما جميعا معا وقد قال الشاعر: نحن بما عندنا وأنت بما * * عندك راض والرأي مختلف وإنما أراد: نحن بما عندنا راضون وأنت راض بما عندك، فذكر أحد الامرين واستغنى عن الآخر، كذلك يقول سبحانه: * (فأنزل الله سكينته عليه) * ويريدهما جميعا دون أحدهما. والجواب عن هذا وبالله التوفيق: أن الاقتصار بالكناية على أحد الامرين دون عموم الجميع مجاز واستعارة استعمله أهل اللسان في مواضع مخصوصة وجاء به القرآن في أماكن محصورة، وقد ثبت أن الاستعارة ليست بأصل يجري في الكلام ولا يصح عليها القياس وليس يجوز لنا أن نعدل عن ظواهر القرآن وحقيقة الكلام إلا بدليل يلجى إلى ذلك - ولا دليل في قوله تعالى: * (فانزل الله سكينته عليه) * فيتعدى من أجله المكنى عنه إلى غيره. وشئ اخر وهو أن العرب إنما تستعمل ذلك إذا كان المعنى فيه معروفا والالتباس منه مرتفعا فتكتفي بلفظ الواحد عن الاثنين للاختصار مع الامن من وقوع الشبهة والارتياب، فأما إذا لم يكن الشئ معروفا وكان الالتباس عند إفراده متوهما لم يستعمل ذلك ومن استعمله كان عندهم ملغزا معميا، ألا ترى أن الله
---
(1) - التوبة / 34 (1).
--- [47]
مخ ۴۶