د چین د فلسفې څپرکی: د کنفیوشیس د حوار کتاب سره د منچیوس کتاب
فصول من الفلسفة الصينية: مع النص الكامل لكتاب الحوار لكونفوشيوس وكتاب منشيوس
ژانرونه
الكتب الإلكترونية، هبة العصر
مقدمة لطبعة الأعمال غير الكاملة
فاتحة
1 - إطلالة على الفلسفة الصينية
2 - كونفوشيوس
3 - مو تزو، ونقد الكونفوشية
4 - منشيوس
5 - لاو تسو، المعلم الأول
النص الكامل لكتاب الحوار لكونفوشيوس
الباب الأول
ناپیژندل شوی مخ
الباب الثاني
الباب الثالث
الباب الرابع
الباب الخامس
الباب السادس
الباب السابع
الباب الثامن
الباب التاسع
الباب العاشر
الباب الحادي عشر
ناپیژندل شوی مخ
الباب الثاني عشر
الباب الثالث عشر
الباب الرابع عشر
الباب الخامس عشر
الباب السادس عشر
الباب السابع عشر
الباب الثامن عشر
الباب التاسع عشر
الباب العشرون
النص الكامل لكتاب منشيوس
ناپیژندل شوی مخ
الباب الأول: هوي ملك ليانغ «1»
الباب الثاني: هوي ملك ليانغ «2»
الباب الثالث: قونغ صن تشو «2»
الباب الرابع: قونغ صن تشو «2»
الباب الخامس
الباب السادس: الأمير ون حاكم تينغ «2»
الباب السابع: لي لو
الباب الثامن: لي لو «2»
الباب التاسع: وان جانغ «1»
الباب العاشر: وان جانغ «2»
ناپیژندل شوی مخ
الباب الحادي عشر: كاو تسو
الباب الثاني عشر: قاو تسو
الباب الثالث عشر: تشن شن «1»
الباب الرابع عشر: تشن شن «2»
المراجع
الكتب الإلكترونية، هبة العصر
مقدمة لطبعة الأعمال غير الكاملة
فاتحة
1 - إطلالة على الفلسفة الصينية
2 - كونفوشيوس
ناپیژندل شوی مخ
3 - مو تزو، ونقد الكونفوشية
4 - منشيوس
5 - لاو تسو، المعلم الأول
النص الكامل لكتاب الحوار لكونفوشيوس
الباب الأول
الباب الثاني
الباب الثالث
الباب الرابع
الباب الخامس
الباب السادس
ناپیژندل شوی مخ
الباب السابع
الباب الثامن
الباب التاسع
الباب العاشر
الباب الحادي عشر
الباب الثاني عشر
الباب الثالث عشر
الباب الرابع عشر
الباب الخامس عشر
الباب السادس عشر
ناپیژندل شوی مخ
الباب السابع عشر
الباب الثامن عشر
الباب التاسع عشر
الباب العشرون
النص الكامل لكتاب منشيوس
الباب الأول: هوي ملك ليانغ «1»
الباب الثاني: هوي ملك ليانغ «2»
الباب الثالث: قونغ صن تشو «2»
الباب الرابع: قونغ صن تشو «2»
الباب الخامس
ناپیژندل شوی مخ
الباب السادس: الأمير ون حاكم تينغ «2»
الباب السابع: لي لو
الباب الثامن: لي لو «2»
الباب التاسع: وان جانغ «1»
الباب العاشر: وان جانغ «2»
الباب الحادي عشر: كاو تسو
الباب الثاني عشر: قاو تسو
الباب الثالث عشر: تشن شن «1»
الباب الرابع عشر: تشن شن «2»
المراجع
ناپیژندل شوی مخ
فصول من الفلسفة الصينية
فصول من الفلسفة الصينية
مع النص الكامل لكتاب الحوار لكونفوشيوس وكتاب منشيوس
تأليف
فراس السواح
الكتب الإلكترونية، هبة العصر
في عام 1970 بدأت الأفكار العامة لكتابي الأول «مغامرة العقل الأولى» تتشكل في ذهني، وعندما بذلت المحاولات الأولى لكتابتها، شعرت بحاجة إلى مراجع أكثر من المراجع القليلة التي في حوزتي، فرحت أبحث في منافذ بيع الكتب، وفي المراكز الثقافية التابعة لوزارة الثقافة السورية، وفي مكتبة جامعة دمشق؛ عن مراجع باللغة الإنكليزية فلم أجد ضالتي، فتأكدت لي استحالة إتمام المشروع وتوقفت عن الكتابة.
وفي عام 1971 قمت برحلة طويلة إلى أوروبا والولايات المتحدة دامت ستة أشهر، رحت خلالها أشتري ما يلزمني من مراجع وأشحنها بالبريد البحري إلى سوريا، وعندما عدت شرعت في الكتابة وأنجزت الكتاب في نحو سنة ونصف. بعد ذلك رحت أستعين بأصدقائي المقيمين في الخارج لإمدادي بما يلزمني من مراجع، وكانت مهمة شاقة وطويلة تستنفد المال والجهد، وكان عمل الباحث في تلك الأيام وفي مثل تلك الظروف عملا بطوليا، إن لم يكن مهمة مستحيلة.
بعد ذلك ظهر الحاسوب الشخصي في أوائل الثمانينيات، ثم تأسست شبكة الإنترنت التي لعبت دورا مهما في وضع الثقافة في متناول الجميع، ووفرت للباحثين ما يلزمهم من مراجع من خلال الكتب الإلكترونية المجانية أو المدفوعة الثمن، فأزاحت هم تأمين المراجع عن الكاتب الذي يعيش في الدول النامية، ووصلته بالثقافة العالمية من خلال كبسة زر على حاسوبه الشخصي.
لقد صار حاسوبي اليوم قطعة من يدي لا أقدر على الكتابة من دونه، مع إبقائي استخدام القلم في الكتابة، لا برنامج الوورد. ولرد الجميل للإنترنت، أردت لطبعة الأعمال الكاملة لمؤلفاتي التي صدرت في 20 مجلدا، أن توضع على الشبكة تحت تصرف عامة القراء والباحثين، واخترت «مؤسسة هنداوي» لحمل هذه المهمة؛ لأنها مؤسسة رائدة في النشر الإلكتروني، سواء من جهة جودة الإخراج أو من حيث المواضيع المتنوعة التي تثري الثقافة العربية.
ناپیژندل شوی مخ
جزيل الشكر ل «مؤسسة هنداوي»، وقراءة ممتعة أرجوها للجميع!
مقدمة لطبعة الأعمال غير الكاملة
عندما وضعت أمامي على الطاولة في «دار التكوين» كومة مؤلفاتي الاثنين والعشرين ومخطوط كتاب لم يطبع بعد، لنبحث في إجراءات إصدارها في طبعة جديدة عن الدار تحت عنوان «الأعمال الكاملة»، كنت وأنا أتأملها كمن ينظر إلى حصاد العمر. أربعون عاما تفصل بين كتابي الأول «مغامرة العقل الأولى» والكتاب الجديد «الله والكون والإنسان»، ومشروع تكامل تدريجيا دون خطة مسبقة في ثلاث وعشرين مغامرة هي مشروعي المعرفي الخاص الذي أحببت أن أشرك به قرائي. وفي كل مغامرة كنت كمن يرتاد أرضا بكرا غير مطروقة ويكتشف مجاهلها، وتقودني نهاية كل مغامرة إلى بداية أخرى على طريقة سندباد الليالي العربية. ها هو طرف كتاب «مغامرة العقل الأولى: دراسة في الأسطورة» يبدو لي في أسفل الكومة. أسحبه وأتأمله، إنه في غلاف طبعته الحادية عشرة الصادرة عام 1988، التي عاد ناشرها إلى غلاف الطبعة الأولى الصادرة عام 1976، الذي صممه الصديق الفنان «إحسان عنتابي»، ولكن ألوانه بهتت حتى بدت وكأنها بلون واحد لعدم عناية الناشر بتجديد بلاكاتها المتآكلة من تعدد الطبعات التي صدرت منذ ذلك الوقت. وفي حالة التأمل هذه، يخطر لي أن هذا الكتاب قد رسم مسار حياتي ووضعني على سكة ذات اتجاه واحد؛ فقد ولد نتيجة ولع شخصي بتاريخ الشرق القديم وثقافته، وانكباب على دراسة ما أنتجته هذه الثقافة من معتقدات وأساطير وآداب، في زمن لم تكن فيه هذه الأمور موضع اهتمام عام، ولكني لم أكن أخطط لأن أغدو متخصصا في هذا المجال، ولم أنظر إلى نفسي إلا كهاو عاكف بجد على هوايته. إلا أن النجاح المدوي للكتاب - الذي نفدت طبعته الأولى الصادرة عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق في ستة أشهر، ثم تتابعت طبعاته في بيروت - أشعرني بالمسئولية؛ لأن القراء كانوا يتوقعون مني عملا آخر ويتلهفون إليه.
إن النجاح الكبير الذي يلقاه الكتاب الأول للمؤلف يضعه في ورطة ويفرض عليه التزامات لا فكاك منها، فهو إما أن ينتقل بعده إلى نجاح أكبر، أو يسقط ويئول إلى النسيان عندما لا يتجاوز نفسه في الكتاب الثاني. وقد كنت واعيا لهذه الورطة، ومدركا لأبعادها، فلم أتعجل في العودة إلى الكتابة، وإنما تابعت مسيرتي المعرفية التي صارت وقفا على التاريخ العام والميثولوجيا وتاريخ الأديان. وعاما بعد عام، كان كتاب «لغز عشتار» يتكامل في ذهني وأعد له كل عدة ممكنة خلال ثمانية أعوام، ثم كتبته في عامين ودفعته إلى المطبعة فصدر عام 1986؛ أي بعد مرور عشر سنوات على صدور الكتاب الأول، وكان نجاحا مدويا آخر فاق النجاح الأول، فقد نفدت طبعته الأولى، 2000 نسخة، بعد أقل من ستة أشهر، وصدرت الطبعة الثانية قبل نهاية العام، ثم تتالت الطبعات.
كان العمل الدءوب خلال السنوات العشر الفاصلة بين الكتابين، الذي كان «لغز عشتار» من نواتجه، قد نقلني من طور الهواية إلى طور التخصص، فتفرغت للكتابة بشكل كامل، ولم أفعل شيئا آخر خلال السنوات الثلاثين الأخيرة التي أنتجت خلالها بقية أفراد أسرة الأعمال الكاملة، إلى أن دعتني جامعة بكين للدراسات الأجنبية في صيف عام 2012 للعمل محاضرا فيها، وعهدت إلي بتدريس مادة تاريخ العرب لطلاب الليسانس، ومادة تاريخ أديان الشرق الأوسط لطلاب الدراسات العليا، وهناك أنجزت كتابي الأخير «الله والكون والإنسان». على أنني أفضل أن أدعو هذه الطبعة بالأعمال غير الكاملة، وذلك على طريقة الزميلة «غادة السمان» التي فعلت ذلك من قبلي؛ لأن هذه المجموعة مرشحة دوما لاستقبال أعضاء جدد ما زالوا الآن في طي الغيب.
وعلى الرغم من أنني كنت أخاطب العقل العربي، فإني فعلت ذلك بأدوات البحث الغربي ومناهجه، ولم أكن حريصا على إضافة الجديد إلى مساحة البحث في الثقافة العربية، قدر حرصي على الإضافة إلى مساحة البحث على المستوى العالمي، وهذا ما ساعدني على اختراق حلقة البحث الأكاديمي الغربي المغلقة، فدعاني الباحث الأميركي الكبير «توماس تومبسون» المتخصص في تاريخ فلسطين القديم والدراسات التوراتية إلى المشاركة في كتاب من تحريره صدر عام 2003 عن دار
T & T Clark
في بريطانيا تحت عنوان:
Jerusalem in History and Tradition
ونشرت فيه فصلا بعنوان:
ناپیژندل شوی مخ
Jerusalem During the Age of Judah Kingdom
كنت قد تعرفت على «تومبسون» في ندوة دولية عن تاريخ القدس في العاصمة الأردنية عمان عام 2001، شاركت فيها إلى جانب عدد من الباحثين الغربيين في التاريخ وعلم الآثار، وربطت بيننا صداقة متينة استمرت بعد ذلك من خلال المراسلات، إلى أن جمعتنا مرة ثانية ندوة دولية أخرى انعقدت في دمشق بمناسبة اختيار القدس عاصمة للثقافة العربية، وكانت لنا حوارات طويلة حول تاريخ أورشليم القدس وما يدعى بتاريخ بني إسرائيل، واختلفنا في مسائل عديدة أثارها «تومبسون» في ورقة عمله التي قدمها إلى الندوة. وكان الباحث البريطاني الكبير «كيث وايتلام» قد دعا كلينا إلى المشاركة في كتاب من تحريره بعنوان:
The Politics of Israel’s Past
فاتفقنا على أن نثير هذه الاختلافات في دراستينا اللتين ستنشران في ذلك الكتاب، وهكذا كان. فقد صدر الكتاب الذي احتوى على دراسات الباحثين من أوروبا وأميركا عام 2013 عن جامعة شيفلد ببريطانيا، وفيه دراسة لي عن نشوء الديانة اليهودية بعنوان:
The Faithful Remnent and the Invention of Religious Identity
خصصت آخرها لمناقشة أفكار «تومبسون»، ول «تومبسون» دراستان الأولى بعنوان:
What We Do And Do Not Know About Pre-Hellenistic Al-Quds
والثانية خصصها للرد علي بعنوان:
The Literary Trope of Return - A Reply to Firas Sawah
أي: العودة من السبي كمجاز أدبي - رد على فراس السواح.
ناپیژندل شوی مخ
الكتاب يشبه الكائن الحي في دورة حياته؛ فهو يولد ويعيش مدة ثم يختفي ولا تجده بعد ذلك إلا في المكتبات العامة، ولكن بعضها يقاوم الزمن وقد يتحول إلى كلاسيكيات لا تخرج من دورة التداول. وقد أطال القراء في عمر مؤلفاتي حتى الآن، ولم يختف أحدها من رفوف باعة الكتب، أما تحول بعضها إلى كلاسيكيات فأمر في حكم الغيب.
فإلى قرائي في كل مكان، أهدي هذه الأعمال غير الكاملة مع محبتي وعرفاني.
فراس السواح
بكين، كانون الثاني (يناير) 2016
فاتحة
قصتي مع فكر الصين ترجع في بداياتها إلى عام 1961م عندما قرأت كتابا مترجما عن الإنكليزية بعنوان «حكمة الصين»، من منشورات الهيئة المصرية العامة للكتاب. وقد قدمني ذلك الكتاب إلى فكر فلسفي جديد لم نألفه في قراءتنا للفلسفة اليونانية وربيبتها الفلسفة العربية، فكر مستقل في أسلوبه ومنطلقاته وغاياته. وأكثر ما ميزه عندي خلوه من البحث في الميتافيزيك والغيبيات وتركيزه على المجتمع والأخلاق والعلاقات الإنسانية والسياسة؛ فهو فكر وجودي بالمعنى العام للمصطلح، يبدأ عند الإنسان وينتهي عنده.
بعد ذلك اجتذبتني حكمة الزن اليابانية مع قراءتي لكتاب ألان واطس الشهير
The Way of Zen ، وقادني هذا الكتاب إلى مؤلفات ت. د . سوزوكي الحكيم الياباني ومعلم الزن الأشهر في العالم الغربي. ولرغبتي الدائمة في التعرف إلى أصول الظاهرة الثقافية التي أنكب على دراستها، فقد انقلبت إلى أصول حكمة الزن في الصين، وهي بوذية الشان (أو
Chi’an
كما يكتبها الباحثون الغربيون)، والتي تكونت من الجمع بين البوذية الوافدة إلى الصين وتاوية «لاو تسو» أول فلاسفة الصين ومؤسس التاوية الفلسفية. ولكن بوذية الشان لم تحتفظ من التراث البوذي إلا بشخصية البوذا كرمز للاستنارة الروحية، ومن الشان حطت رحالي عند كتاب التاو تي تشينغ، وهو الأثر الوحيد الذي تركه لاو تسو وراءه، والذي عمل مع كتاب الحوار لكونفوشيوس على صياغة فكر تخلل الثقافة الصينية عبر تاريخها الطويل.
ناپیژندل شوی مخ
في عام 1998م أنجزت ترجمتي لكتاب التاو تي تشينغ اعتمادا على أربعة مراجع موثوقة عالميا، وزودتها بمقدمة طويلة عن تاريخ حكمة الصين، وبشروحات وتعليقات استغرقت نصف الكتاب تقريبا. وقد لفت الكتاب نظر المستعرب الصيني الدكتور «شوي تشينغ قوه» عميد كلية الدراسات العربية في جامعة بكين للدراسات الأجنبية (واسمه العربي بسام، على عادة أساتذة وطلاب اللغة العربية في الصين)، وكان في إحدى زياراته لدمشق، فاشتراه وقرأه في طريق عودته إلى بكين، ثم اتصل بي وعبر عن إعجابه بالكتاب ورغبته في نشره عن طريق «دار النشر باللغات الأجنبية» ببكين، بعد أن يراجع ترجمتي على النص الصيني الأصلي، فوافقت على ذلك. ثم شرعنا في المراجعة عن طريق الإنترنت، والتقينا مرة أولى في دمشق، ومرة ثانية في بكين عندما شاركت في ندوة الحوار الثقافي العربي الصيني، التي دعت إليها جامعة الدراسات الدولية ببكين، وأثمرت جهودنا في إدخال تعديلات غير جوهرية على النص العربي. وصدر الكتاب عام 2009م تحت عنوان «لاو تسي»، ضمن سلسلة التراث الصيني باللغات الأجنبية عن دار النشر المذكورة.
في ربيع عام 2012م اتصل بي الدكتور شوي تشينغ قوه هاتفيا، وقال لي إن لديهم شاغرا في الهيئة التدريسية بالكلية، وتمنى علي أن أملأه فأجبته بالقبول، وأقمت في بكين ست سنوات قمت خلالها بتدريس مادة تاريخ العرب لطلاب اللغة العربية في مرحلة الليسانس، ومادة تاريخ أديان الشرق الأوسط، ومادة الإسلام والقرآن لطلاب الدراسات العليا.
كان نجاح كتاب التاو تي تشينغ في طبعته الصينية ونفاد نسخها، واتفاقنا مع دار نشر أخرى على إصدار طبعة جديدة، حافزا للدكتور بسام على التفكير في عمل مشترك آخر يتناول كتاب الحوار لكونفوشيوس وكتاب تلميذه منشيوس، وهما الكتابان الرئيسيان اللذان قامت عليهما الفلسفة الكونفوشية، فقامت الهيئة العليا لمعاهد كونفوشيوس التي تعمل على نشر اللغة الصينية في العالم بدعم المشروع، وبدأت العمل في الترجمة اعتمادا على المراجع الغزيرة المتوفرة في مكتبة الجامعة. وبعد ذلك بدأت المهمة الشاقة وهي مراجعة الترجمة على الأصل الصيني، والتي استغرقت منا نحو ستة أشهر كنا نجتمع خلالها في مسكني ثلاث مرات في الأسبوع حافلة بالجدال والنقاش المثمر، وكان جل خلافنا نابعا من ميله إلى نقل المعاني المباشرة للنص الصيني، ومن ميلي إلى التعبير عن مقاصده. وعلى الرغم من أن الاتفاق لم يكن سهلا في كثير من الأحيان، إلا أننا كنا نتوصل إليه في نهاية الأمر.
لقد كان هدف الهيئة العليا لمعاهد كونفوشيوس من دعم المشروع هو وضع كتاب الحوار لكونفوشيوس وكتاب منشيوس بيد أيدي طلاب اللغة الصينية في العالم العربي خاصة وقرائه عامة، أما هدفي من هذه الطبعة التي تصدرها دار التكوين بدمشق فهو تزويد القارئ بمدخل يقدمه إلى الفلسفة الصينية؛ لذلك فقد جمعت النصين في كتاب واحد زودته بخمسة فصول: (1)
الأول: إطلالة عامة على الفلسفة الصينية، تحدثت فيها عن تاريخها وطبيعتها وأساليبها في التعبير ومدارسها. (2)
الثاني: «كونفوشيوس»، حياته وفكره. تحدثت فيها عن حياة هذا الفيلسوف وأفكاره الرئيسية التي بسطها في كتاب الحوار ومكانته في الثقافة الصينية. (3)
الثالث: «مو تزو» ونقد الكونفوشية. تحدثت فيها عن فلسفة مو تزو التي قامت على أساس من نقده لكونفوشيوس وفلسفته. (4)
الرابع: «منشيوس»، حياته وفكره. تحدثت فيها عن المعلم الثاني للكونفوشية الذي عاش بعد قرن من وفاة المعلم الأول، وعمل على شرح وتطوير أفكاره والوصول بها إلى غاياتها الأخيرة. (5)
في الخامس عدت إلى «لاو تسو» بعد عشرين سنة من صدور كتابي عنه ، وقدمته في رؤية جديدة تغني القارئ عن الغوص في ألغاز كتابه.
الفصل الأول
ناپیژندل شوی مخ
إطلالة على الفلسفة الصينية
بين الفلسفة والدين
إذا كانت آيات القرآن الكريم أول ما يتعلمه التلاميذ المسلمون بعد حروف الهجاء، فقد كانت الفلسفة أول ما يتعلمه التلاميذ الصينيون بعد الرموز الكتابية الصينية، وكانت الكتب الكونفوشية الأربعة هي المقررات الدراسية الأولى الموضوعة بين أيديهم. وإذا كان التلميذ المسلم يتعلم تجويد آيات الكتاب بعد تعلم قراءتها، فقد كان لدى التلاميذ الصينيين كتيب للتجويد أيضا، يتكون من جمل مختارة من الكتب الكونفوشية، تتألف كل جملة من ثلاثة رموز كتابية تم اختيارها بطريقة تجعل قراءتها تحدث إيقاعا موسيقيا يساعد على حفظها. وإذا كانت الجملة الافتتاحية في القرآن تقول: «الحمد لله رب العالمين»، فإن الجملة الافتتاحية في كتيب التجويد الصيني تقول: «إن الطبيعة الأصلية للإنسان خيرة»؛ أي إن الجملة الافتتاحية في التعليم الإسلامي تضع قارئها في لب الدين، أما الجملة الافتتاحية في التعليم الصيني فتضع قارئها في لب الفلسفة.
إن الدور الذي لعبته الفلسفة في الثقافة الصينية يعادل الدور الذي لعبه الدين في الثقافة الأوروبية والشرق أوسطية، ولعل هذا ما دفع البعض إلى اعتبار الكونفوشية (وهي الفلسفة الأكثر تأثيرا على الثقافة الصينية) دينا، ولكن الكونفوشية في واقع الحال ليست دينا، شأنها في ذلك شأن فلسفة أفلاطون أو أرسطو أو حتى أفلوطين الإسكندري الذي كانت الإلهيات محور تفكيره. وعلى الرغم من أن الكتب الكونفوشية الأربعة كانت بمثابة إنجيل للصينيين، إلا أن أيا منها لم يبشر بإله أعلى خالق للسماء والأرض، ولم يحتو على قصة للخلق والتكوين، أو على تصورات أخروية عن نهاية العالم ويوم الحساب، وعن الجنة والجحيم.
إن الدين والفلسفة يتفقان في أن جوهرهما يقوم على التفكير المنهجي المنظم في شئون الإنسان والحياة والكون، وهذا يعني أن في كل دين شيئا من الفلسفة، ولكن العكس ليس كذلك؛ لأن الفلسفة تفتقد إلى الأساطير والعقائد والعبادات التي تميز الدين؛ فهي بالدرجة الأولى أفكار، وهذه الأفكار لا تنتظم في إيديولوجيا ودوغما، كما هو حال الأفكار الدينية.
ولهذا فإن الرأي الشائع الذي يقول إن في الصين ثلاثة أديان هي: الكونفوشية والتاوية والبوذية، هو من قبيل تبسيط الأمور؛ فالكونفوشية ليست بالتأكيد دينا، أما فيما يتعلق بالتاوية، فعلينا التمييز بين التاوية الفلسفية؛ أي تاوية المعلم الأول لاو تسو ومن بعده المعلم الثاني تشوانغ تسو، والتاوية الطقسية التي تحمل ملامح الدين، والتي نشأت بعد لاو تسو بعدة قرون وادعت الانتساب إلى لاو تسو على الرغم من الفوارق الجذرية بينهما؛ فالتاوية الفلسفية تقوم على مبدأ التوافق مع صيرورة الطبيعة، أما التاوية الطقسية فتعمل أحيانا على معاكسة الطبيعة. والمثال على ذلك أن لاو تسو يرى أن تناوب الحياة والموت هو قانون طبيعي، وأن على الإنسان أن يقبل الموت مثلما قبل الحياة، أما التاوية الطقسية فقد ابتكرت تقنيات من شأنها إطالة العمر، وطمحت إلى تفادي الموت.
وفيما يتعلق بالبوذية فقد تبدت في صيغتين؛ صيغة فلسفية وصيغة دينية، وكانت الصيغة الفلسفية هي ما يراه المثقف الصيني في البوذية؛ ولهذا فقد كان من المألوف رؤية كاهن تاوي وكاهن بوذي يقومان بطقوس الجنازة لإحدى الأسر، ولا يجد أحد في ذلك غضاضة؛ لأن الصيني بشكل عام يأخذ دينه فلسفيا، إذا كان ذا دين؛ فالصينيون أقل الشعوب اهتماما بالدين، وعبر تاريخهم كانت الفلسفات الأخلاقية هي أساس حياتهم الروحية، ومن خلال الفلسفة كانوا يرضون ذلك السعي الإنساني إلى السمو فوق مجريات العالم المادي.
ونحن إذا عدنا إلى ما قبل القرن السادس ق.م. الذي أخذت فيه المدارس الفلسفية المختلفة بالتوضح، نجد أن الديانة الصينية التقليدية لم تأخذ مفهوم الألوهة المفارقة للعالم بشكل جدي، ولم يكن لديها تصور واضح عن إله يتربع على عرش الكون ويتحكم فيه عن بعد. وعلى الرغم من أن الميثولوجيا الصينية حافلة بالآلهة من شتى الاختصاصات، إلا أن هؤلاء لم يكونوا في حقيقة الأمر إلا أسلافا أسطوريين جرى رفعهم إلى مرتبة الآلهة. وتظهر السير المتداولة عن حياتهم كيف ابتدأ أمرهم كرجال صالحين على الأرض قدموا خدمات جلى لمجتمعهم، وكيف تم تأليههم وعبادتهم فيما بعد. ومما يلفت النظر في أمر الآلهة الصينية أنها لا تتمتع بشخصيات واضحة ووظائف دائمة، وهي تبدو لنا مثل كيانات شبحية تكتسب قوتها من قوة المنصب الذي تشغله؛ ذلك أن الوظيفة الإلهية هي الثابتة، أما شاغلوها فمتبدلون؛ ففي كل إقليم من الأقاليم الصينية يجري توزيع الوظائف والاختصاصات الإلهية بشكل مختلف عن الإقليم الآخر، وقد يجري في إقليم معين رفع إله إلى أعلى من مرتبته في إقليم آخر، أو تخفيض مرتبته، أو حتى صرفه من الخدمة إذا فشل في مهمته، كأن يفشل إله المطر في إنزاله لسنوات عديدة، ويغدو لا بد من إعفائه من منصبه والبحث عن بديل له. وقد عبر الفيلسوف منشيوس عن هذا الموقف الصيني من الآلهة في كتابه المعروف باسمه حيث قال: «إذا كانت حيوانات القربان في صحة جيدة، وحبوب القربان نقية، وجرى تقديم القرابين لآلهة الأرض والحبوب في وقتها، ومع ذلك فشلت في منع الجفاف والفيضانات، فإنها تستبدل» (منشيوس 14: 14).
أما المصدر الحقيقي لقوة الآلهة فهو مفهوم تجريدي عن الألوهة يتمثل في قوة السماء المدعاة «تي يين»، التي جرى تصورها كقوة تشغل الجهة العليا من قبة السماء، وهي قوة غير مشخصة لا تتمثل في شخصية إلهية معينة، ولا تتصل بالبشر عن طريق رسل يشرحون مقاصدها، بل إن الناس هم الذين يتواصلون معها من خلال تقنيات الاستخارة والتنجيم والعرافة. فإذا تجردت قوة السماء حتى من القبة الزرقاء التي اعتبرت مظهرها المرئي، فإنها تلتقي مع مفهوم التاو الذي لعب الدور الأهم في تاريخ الفكر الديني والفلسفي الصيني. وهذا المفهوم لا يتطابق مع أي مفهوم نعرفه عن الألوهة المفارقة الخالقة للعام والمتحكمة به، بل هو الخميرة الفاعلة في العمليات الجارية على مستوى الكون والطبيعة من الداخل لا من الخارج؛ فهذه العمليات لا تتطلب عنصرا خارجيا يدفعها، بل إنها تعمل وفق تلقائية شمولية يتبادل من خلالها كل عناصر الوجود الأثر والتأثير في سلسلة مترابطة لا يوجد فيها علة ومعلول.
ولقد كانت قوة السماء ركيزة الميتافيزيك الكونفوشي، أما التاو فقد كان ركيزة الميتافيزيك التاوي.
ناپیژندل شوی مخ
أسلوب التعبير في الفلسفة الصينية
تختلف الفلسفة الصينية عن الفلسفة اليونانية وربيبتها العربية في طريقة الفلاسفة الصينيين في التعبير عن أنفسهم؛ ففي مقابل النص المطرد الذي يستخدم الجدل والبرهان وينتقل من المقدمات إلى نتائجها، عند الفيلسوف اليوناني، فإن الفيلسوف الصيني يعمد إلى صياغة أقوال موجزة بكلمات قليلة، وهذه الأقوال تتتابع في نصه دونما رابط ووحدة في الموضوع. نقرأ في كتاب الحوار لكونفوشيوس، الباب الثاني: (1)
إذا حكمت بقوة فضيلتك، تغدو مثل نجم القطب الذي يبقى ثابتا وكل النجوم تتحرك حوله. (2)
هنالك جملة واحدة تلخص فحوى القصائد الثلاثمائة التي يتضمنها كتاب القصائد، وهي: أبعد عن ذهنك الأفكار السيئة.
أما كتاب التاو تي تشينغ فلا يتجاوز عدد كلماته الخمسة آلاف؛ أي بطول مقالة عصرية في مجلة، ومع ذلك فقد ضم بين دفتيه فلسفة لاو تسو بكاملها. وفيه نقرأ مقاطع مثل:
التاو فارغ ولا ينضبه النضح منه.
لا يسبر غوره. منشأ الآلاف المؤلفة (من مظاهر الطبيعة) (الفصل 4).
عندما يرفع الطرفان السلاح في وجه بعضهما؛
الطرف الرابح هو الذي يدخل الحرب بأسى وحزن (الفصل 69).
عندما تكون واعيا لعيوبك تتحرر منها.
ناپیژندل شوی مخ
الحكيم بلا عيوب لأنه يعيها (الفصل 71).
إن الفيلسوف الصيني من خلال تعبيره عن أفكاره بأسلوب الحكم، والأقوال المأثورة، وضرب الأمثلة، يعوض عن الإسهاب والتفصيل الذي يميز النثر بالإيحاء الذي يميز الشعر. وبما أن الإيحاء والإسهاب لا يجتمعان، فإنه كلما نحا التعبير نحو الإسهاب قلت إيحاءاته، وكلما نحا نحو الإيحاء قل إسهابه، وهذا هو سر جاذبية الفلسفة الصينية. ربما قام أحد الباحثين بجمع كل الأفكار التي يتضمنها كتاب التاو تي تشينغ، وأسهب في شرحها والتعليق عليها في كتاب من ثلاثمئة صفحة. إن مثل هذا الكتاب قد يساعد القارئ العادي على فهم التاو تي تشينغ، ولكنه لن يكون بديلا عنه بحال من الأحوال. وقد يرى القارئ الحصيف أن التاو تي تشينغ هو الذي يشرح هذا الكتاب وليس العكس.
خلفيات الفلسفة الصينية
الصين بلد قاري، وبالنسبة للصينيين القدماء كانت الصين هي العالم. وقد عبرت لغتهم عن ذلك عندما جعلت كلمة الصين مرادفة لكلمة العالم، أو لتعبير «كل ما تحت السماء». وقبل افتتاح طريق الحرير التجاري خلال فترة حكم أسرة هان (206ق.م.-220م)، لم يكن من عادة الصينيين مغادرة بلادهم أو ركوب البحر. وكلمة البحر لم ترد عند كونفوشيوس (551-479 ق.م.) سوى مرة واحدة، وكذلك الأمر عند منشيوس (372-289ق.م.)، ولم نسمع عن مفكر صيني ركب البحر واطلع على أحوال البلدان البعيدة، على عكس المفكرين الإغريق الذين طالما تنقلوا بين الجزر اليونانية، وركبوا البحر إلى مصر وسورية وإيران وآسيا الصغرى.
في هذا البلد القاري كانت الحياة الاقتصادية تقوم على الزراعة، وكانت نسبة العاملين في الزراعة حتى أواسط القرن العشرين نحو 80٪؛ أي إن الزراعة كانت المصدر الأساسي لثروة الأمة. أما التجارة فلم تتعد التبادلات في أسواق المدن، ولم تشكل التجارة الخارجية عبر البحار والطرق الدولية بعد أن نشط طريق الحرير سوى نسبة ضئيلة لا يعتد بها من ثروة الأمة. وقد انعكس ذلك على الآراء الاقتصادية والاجتماعية للمفكرين الصينيين الذين ميزوا بين الجذور التي هي الزراعة، والأغصان التي هي التجارة؛ لأن وظيفة الزراعة الإنتاج، أما وظيفة التجارة فالتبادل، والتبادل لا يتم قبل أن يكون هنالك إنتاج؛ ولذلك فقد اعتبر التجار بمثابة الشريحة الأدنى بين شرائح المجتمع، أما الشريحة الأعلى فهم أصحاب الأراضي، يليهم المزارعون فالحرفيون. وقد كان أصحاب الأراضي بما تتيح لهم طبيعة حياتهم أهل ثقافة، وعلى الرغم من أنهم لم يكونوا يباشرون الزراعة بأنفسهم، إلا أن أقدارهم وحظوظهم كانت مرتبطة بغلة الأرض كما هو حال المزارعين؛ ولهذا فقد كان المزارعون وسادتهم يتشاركون النظرة نفسها إلى العالم، وفلسفة الحياة نفسها. ولكن بما أن علم السادة قد أعطاهم القدرة على التعبير عن مشاعر المزارع الذي لا يملك أدوات التعبير، فقد تجلت نظرة المزارع إلى العالم وفلسفته في الحياة في ما أنتجه المثقفون من فلسفة وأدب وفن.
التاوية والكونفوشية (اتفاق واختلاف)
لدينا من القرن الثالث قبل الميلاد كتاب يتضمن عرضا وافيا وموجزا للمدارس الفلسفية الصينية. ورد في أحد فصوله وصف لطبيعة الناس الذين يعملون في الجذور ؛ أي المزارعين، والناس الذين يعملون في الفروع (أو الأغصان)؛ أي التجار؛ فالمزارع حسن الطوية وبسيط وساذج، ولديه براءة الأطفال؛ ولذلك فهو مطيع وغيري. وبما أن ممتلكاته وأدوات عمله ثقيلة وصعبة النقل، فإنه لا يفكر بترك موطنه إذا تعرض لخطر خارجي. أما التاجر فخبيث وغادر وأناني؛ ولذلك فهو غير مطيع. وبما أن أدوات عمله خفيفة وسهلة الحمل، فإنه يترك موطنه إذا تعرض لخطر خارجي. ثم يخلص الكاتب إلى نتيجة مفادها أن الزراعة أكثر أهمية لاقتصاد المجتمع من التجارة، وأن نمط حياة المزارع يعلو على نمط حياة التاجر.
وفي الحقيقة فإننا لواجدون في هذا التقدير العالي للزراعة وللحياة الزراعية أصول الاتجاهين الرئيسيين في الفلسفة الصينية؛ وهما التاوية والكونفوشية، سواء في اتفاقهما أم اختلافهما.
في الفلسفتين هنالك مبدأ مشترك ناجم عما يراه المزارع من حركة الشمس والقمر وتبدل الفصول، مفاده أن السير في أي مجال (سواء في الطبيعة أم الإنسان) إلى أقصى مدى، سيؤدي إلى حركة عكوسية نحو نقطة المبتدى، ويتحول الشيء إلى نقيضه. هذا ما نجده في التاو تي تشينغ، وفي التفسيرات الكونفوشية لكتاب التغيرات كما تبدت في ملاحقه.
نقرأ في التاو تي تشينغ:
ناپیژندل شوی مخ
الكلام الكثير يقود أخيرا إلى الصمت (الفصل 51).
فورة القوة يتلوها الوهن (الفصل 55).
عندما تزيد في شحذ حد السكين،
تعمل في النهاية على انثلامه (الفصل 9).
ونقرأ في ملاحق التغيرات:
عندما يبلغ الدفء ذروته يأتي البرد،
وعندما يبلغ البرد ذروته يأتي الدفء.
عندما تبلغ الشمس أقصى مدى في الارتفاع تميل نحو الغروب، وعندما يكتمل القمر يأخذ بالتناقص.
وأيضا:
في العودة إلى المبتدى،
ناپیژندل شوی مخ
يتجلى عقل السماء والأرض.
وينجم عن هذا المبدأ أيضا مبدأ مشترك آخر هو الوسطية أو الاعتدال؛ لأن التطرف في كل شيء سيقود في النتيجة إلى عكس المراد. يقول لاو تسو:
من يتطاول على أطراف أصابعه لا يقف طويلا،
ومن يوسع خطاه (من أجل الإسراع) لا يمشي بعيدا (الفصل 24).
ويقول كونفوشيوس: هنالك قلة من الناس حققت الفضيلة عن طريق الاعتدال.
فلسفة الاعتدال هذه ساعدت الشعب الصيني على التعامل بحكمة مع ما واجهه عبر تاريخه من مصاعب وكوارث؛ فقد كان الصيني لا يأمن لأوقات الرخاء لعلمه أن أوقات الشدة قادمة لا محالة، ولا يأسى لأوقات الشدة لعلمه بأنها لن تدوم. ولدينا أمثولة مصاغة في قالب حكاية تعبر عن موقفه هذا. تقول الحكاية: «فقد فلاح صيني حصانه الوحيد الذي هرب ولم يعثر له على أثر، وكان سنده في أعمال الحقل، فجاء إليه جيرانه يواسونه قائلين: أية مصيبة حلت بك؟ فهز الفلاح رأسه وقال: ربما، من يدري؟ بعد عدة أيام عاد إليه الحصان ومعه ستة جياد برية أدخلها الفلاح إلى حظيرته، فجاء إليه جيرانه يهنئونه قائلين: أي خير أصابك؟ فهز رأسه وقال: ربما، من يدري؟ في اليوم التالي قام الابن الوحيد للفلاح بامتطاء أحد الجياد البرية لترويضه، فجمح الجواد ورماه عن ظهره فكسرت ساقه، فجاء إليه جيرانه يواسونه قائلين: أية مصيبة حلت بك؟ فهز الفلاح رأسه وقال: ربما، من يدري؟ بعد عدة أيام جاء ضابط التجنيد ليسوق شباب القرية إلى الجيش بعد أن تعرضت الإمارة إلى غزو خارجي، فأخذ من وجدهم صالحين للخدمة العسكرية، وعف عن ابن الفلاح لعجزه، فجاء إليه الجيران يهنئونه قائلين: أي خير أصابك؟ فهز رأسه وقال: ربما، من يدري؟»
ومغزى هذه الحكاية هو أن كل ما فينا وفي خارجنا في تغير دائم، وهذا التغير يقوم على تناوب الأضداد؛ النور والظلام، الحرارة والبرودة، الجفاف والرطوبة، الحركة والسكون، الحظ الطيب والحظ العاثر، السراء والضراء، الخير والشر ... والقائمة أطول من أن نستنفدها هنا. هذه الأضداد ليست في صراع من أجل سيادة أحدها على الآخر، بل إنها تنشأ معا ويتخذ كل منها معناه من ضده؛ فلا نور بلا ظلام، ولا حياة بلا موت، ولا خير بلا شر، والنقائص هي نسيج الوجود؛ ولذلك يقول لاو تسو:
يرى الجميع في الجميل جمالا؛ لأن ثمة قبحا.
يرى الجميع في القبيح قباحة؛ لأن ثمة جمالا.
الوجود واللاوجود ينجم أحدهما عن الآخر.
ناپیژندل شوی مخ
الصعب والسهل يكمل أحدهما الآخر.
الطويل والقصير يوازن أحدهما الآخر.
العالي والمنخفض يسند أحدهما الآخر .
الصوت والصمت يجاوب أحدهما الآخر.
القبل والبعد يتبع أحدهما الآخر (الفصل 2).
هذا عن الاتفاق بين الفلسفتين؛ أما اختلافهما فناشئ عن كونهما صياغة نظرية لوجهين من حياة المزارعين؛ الأول طبيعي وهو علاقة الفلاح بالأرض، والثاني اجتماعي وهو علاقة الفلاح بالعائلة.
فلقد عبرت التاوية عن رؤيتها للحياة والعالم من خلال العلاقة الوثيقة بين الفلاح والأرض التي لا حياة له بدونها؛ فالطبيعة هي التي عملت على تشكيل شخصية الفلاح وطبائعه وأخلاقه؛ فهو كما أسلفنا بسيط وبريء مثل طفل. وقد رأى فلاسفة التاوية في هذه البساطة والبراءة صورة للمجتمع الإنساني، ودعوا إلى العودة إلى الطبيعة ورذلوا المدنية، ورءوا في الطبيعي مصدرا لسعادة الإنسان، وفي المصطنع مصدرا لتعاسته. وهذا ما عبر عنه لاو تسو أفضل تعبير في الفصل الختامي من التاو تي تشينغ، حيث رسم صورة بهية لمجتمع بسيط وبريء، رأى فيه جنة الأرض:
هنالك دولة صغيرة وقليلة السكان،
لدى أهلها أدوات تسهل عملهم، ولكنهم لا يستعملونها.
يخشون على حياتهم فلا يرتحلون بعيدا.
ناپیژندل شوی مخ